واحد + واحد


لعل أهم ما يقوم عليه فعل الحوار من قواعد، هو القاعدة الرياضية المعروفة، 1+1=2 وليس واحدا

يعاني مجتمعنا إشكاليات معقدة، بعضها انعكاسات للجانب الفكري، وبعضها متعلق بالطابع الاجتماعي، وبعضها له جذوره في المعتقد الديني، لكن أهم إشكالية تطغى على الساحة هي إشكالية العلاقة بالآخر، كموقف أيديولوجي، له جذوره الراسخة، في عمق الفكر والمعتقد. وتقف هذه القضية وراء كثير من إشكاليات الساحة، فالإرهاب، على سبيل المثال، سواء كان فكرا، أو تمثل كفعل، ناتج عن تصور معين للآخر، وللعلاقة به، تصور قائم على كون الآخر على خطأ، وبناء على ذلك فالعلاقة به ينبغي أن تكون علاقة عداء، أيا كان شكل هذا العداء. في أشكاله الأولية، يتمثل العداء كعقيدة تتم تربية الأبناء عليها، وتنشأ عنها – إذا ما تطورت -أفعال لها انعكاساتها الخطرة. وفي زمن، العولمة تفرض نفسها فيه كطابع للحياة الاجتماعية، لم يعد من المقبول أن نتجاهل علاقتنا بالآخر.
ولعل الخوف من التغيير جزء مما يقف وراء موقفنا من الآخر، فالتغيير يخلق من ذواتنا آخر نخاف منه ونهاجمه، في نوع من الفصام الحضاري الذي تعاني منه المجتمعات في حال تخلفها، فهي توقف حركة الزمن، وتتصلب على قيمها، حين تنشطر عن ذاتها وتنفصل عنها لمجرد مضيها عبر الزمن، والخوف من التغيير ليس واردا علينا، فقد كان الإسلام بحد ذاته أكبر خطر في نظر قريش، لا لشيء أكثر من أنه تغيير لتراث الآباء والأجداد.
من أين جاء هذا التصور للآخر ؟ يزعم أصحاب فكر العنف أنهم يستمدون فكرهم من الدين، ويوظفون النص الديني على غير وجهه، لكن هل رفض الآخر قادم من الفكر المتطرف وحده ؟ لقد أثبت الواقع خلاف هذا، وأقرب مثال يحضرني قضايا التفريق بين الزوجين، التي أخذت تتكاثر بشكل يدعو للقلق، وهي تمثل دليلا على أن أمرا غير الدين، يحتضن التصور السلبي للآخر، أعني به بعض قيم المجتمع، التي تقسم المجتمع إلى فرق، في تقسيمها الطبقي للمجتمع، بحسب اللون أو المال أو النسب.
الحوار، المعنى الذي ندور حوله طوال الوقت ولا نمسك به، هو ما يجب أن يحضر، حين نفكر في الآخر، أو نتحدث عنه، أو معه. ولعل أهم ما يقوم عليه فعل الحوار من قواعد، هو القاعدة الرياضية المعروفة، 1+1=2 وليس واحدا، وكون كل فكرة تنتج بدهيا فكرة مقابلة، وهذا التقابل والتعدد هو سنة من سنن الكون، التي تسير كل مظاهر الحياة، فمن كل شيء خلق الله زوجين اثنين، للتكامل لا للتناقض، ولا يكون التكامل إلا عبر التواصل. والتواصل يقودنا للأمر الآخر الذي يقوم عليه فعل الحوار، وهو كون اللغة التي نتواصل عبرها تحمل في ذاتها سمة التعدد والمرونة، القابلة لاحتواء المتناقضات، فهذه اللغة، بما فيها من حوارية ذاتية، تتيح للمتكلم، أن يتعرض لنوع من نقد الذات، بحيث قد ينقلب على ذاته، في خطاب ينتهي بنقض أوله. وهذا ما يتيح للحوار أن يتخذ طريقه إلى كل تواصل، ويكون سمة له.
وعلى أرض الواقع، وفي ميدان الحوار كقناة للتواصل مع الآخر، يقول بعض المنتسبين للتيار الديني إن انتقاد التيار الآخر لهم يفجر ثورة الشباب وعنفهم، بينما أسلوب بعض أفراد التيار الديني في التعامل مع معارضيهم أيضا يثير المعارضين ويدفعهم لعنف من نوع آخر، هذه الثورة وهذا العنف الجسدي أو الكلامي، ليس محمودا ولا في صالح أحد. ويدعي الليبراليون أن الصحويين يثيرون السلطة، في الوقت الذي يقول فيه الصحويون إن الليبراليين يستقوون بالسلطة. وهم جميعا يلجأون لأسلوب أبعد ما يكون عن الحوار الجاد، إذ يدورون حول الهوامش ويتركون النقد المعرفي من داخل الخطاب ذاته.
على كل من مثقفي الطرفين الاهتمام بالنقد المعرفي الجاد، فهو الذي يقودنا لحوار منطقي عقلاني، يعود بالمنفعة على المجتمع، فلا ينبغي تضخيم الخلافات، فيما هي صغيرة ومحدودة، ويمكن الاتفاق حولها. والعقلانية في الحوار والوعي بآليات تحليل الخطاب من داخله، سينقذنا من كثير من مشاكلنا، فليس عقلانيا أن الإرهاب في مجتمعنا، هو رد على مقال كتبه كاتب يعبر عن رأي شخصي، وليس عقلانيا أيضا أن تطورنا وصعودنا للعالم الأول لا يعوقه إلا عدم تدريس الموسيقى، وعدم الاحتفال بعيد الحب،

ربما يعجبك أيضا