بين “ريكور” و “نيتشه” مساحة لفلسفة الضمير

مكة

الأحد 21 جمادى الأولى 1435 – 23 مارس 2014

نشأت الفلسفة محكومة بالمنطق وحتمياته، ومدفوعة بأسئلة الوجود الكبرى، ومرت بتاريخ من التطور متأثرة بالبيئات المختلفة التي احتضنت عقول الفلاسفة القلقة تجاه كل مبهم.
وازدهرت الفلسفة في البيئة الغربية في العصر الحديث، بعد اندحار رجعية الكنيسة أمام التنوير، بل إنها كانت حافز حركة التنوير ومحركها الأكبر.
عانت الفلسفة خلال تاريخها حربا ضروسا باسم الدين، لا لتناقضها جملة معه، بل لخصوصية لغتها، وصعوبة تداولها للعوام، والإنسان عدو ما يجهل.
ولأنها تحتاج أدوات خاصة للتعامل مع موضوعاتها وبنيتها العلمية، فقد جرى نبذها شرقا وغربا، وحوربت تحت كل عنوان.
ولعل للتاريخ الإسلامي خصوصية في مواجهتها بحدة، لاحتكاكها بالنص الديني والقطعيات العقدية، وهذا خطأ الأفراد لا جريمة الفلسفة كأداة للفكر.
وعوضا عن مواجهة الأفراد الذين استعملوا أدواتها -كما قد تستعمل مبادئ الكيمياء لتفجير مبنى- جرى تحريم منهج عظيم للتفكير، حرم الحضارة الإسلامية من بناء ذخيرة فكرية تعالج ثغراتها، وتكون أحد مراجعها وأدواتها للنهوض من السقطات الكبرى.
في العصر الحديث تشعبت اهتمامات الفلسفة، ومجالاتها، وبرزت أسماء عديدة، لكنني سأقف عند «نيتشه» صاحب نظرية السوبرمان، و»ريكور» الموسوعي في مناقشة وجودية الإنسان.
وبينهما اخترت أن أضع لفتة للقارئ لخصوصيتهما في تناول الروح البشرية، والضمير، من منظورين متقابلين.
«نيتشه» الثائر على الضعف البشري، وشكليات البورجوازية التي حطمت النهضة الألمانية، ورؤيته استحقاق العرق الألماني للسيادة، بما يملكه من عناصر تفوق على غيره.
وضع نيتشه مؤلفاته للألماني يعلمه كيف يكون البقاء للأقوى، ويلخص كتابه الأدبي في صياغته «هكذا تكلم زرادشت» فلسفته للحياة، ويقال إنها وراء ثورة النازية واشتعال الحربين العالميتين.
أما «ريكور» بعقلانيته الفرنسية، ونشأته بعد ويلات الحربين العالميتين، فاختار أن يواجه عيوب الروح البشرية، لا بمنطق صوفي، ولا عقلانية بحتة، بل بفلسفة لسلوكيات البشر، منطلقة من منظور وجودي أخلاقي، يعلي من شأن الضمير، ويتفهم الاختلاف وفق نسبية منطلقة من الزمنية التي تحكم وجودية الإنسان.
وعناوين كتبه ولغته الهادئة هي خير رفيق لإنسان هذا الزمن بفراغاته المنطقية والروحية الكبرى، ولعل كتابه الموجز «الإنسان الخطّاء» مثال جيد وجميل.

ربما يعجبك أيضا