الفكري والجمالي في الخطاب السردي

مكة

السبت 17 ذو القعدة 1435 – 13 سبتمبر 2014

الأدب محل تفاعل الذات المبدعة والعالم، وتواصلها معه، والخطاب السردي ببنائه المركب على الحوارية، يجسد صورة مميزة لذلك التفاعل، ويفتحه على ممكنات متعددة، تضيف للواقع، وتثريه، وذلك عبر تشخيص الأفكار، وتضمينها أصواتا، تتحاور، وتتخذ مواقع مختلفة تجاه موضوعاتها.
يقدم الخطاب السردي للقارئ منافذ جديدة للتفاعل مع عالمه، ويترشح ليكون المستشار المتاح لكل منا، بين دفتي كتاب، واليوم بضغطة زر في مواقع الانترنت.
ولا أتحدث عن تسطيح الأدب لينحصر في وظيفة اجتماعية وأخلاقية، ليتحول لخطاب أيديولوجي مفرغ، بل أتحدث عن وجه من وجوه قراءة الخطاب السردي، مبني على طابعه التركيبي، ذلك الوجه الحواري بين القارئ والنص، في بحثه عن المعنى، وبين القارئ وذاته، حين يبحث عن ذاته وسط حوارات الذوات في النص، واشتباكات الأفكار، وتحليل الموضوعات من مواقع مختلفة.
وتعد الأزمات الوجودية لأبطال القصص محركة للبناء السردي، مهما كان موضوعه، ذاتيا، أو اجتماعيا.
وتأتي معالجتهم أزماتهم، على حدود بين الواقع والمتخيل، ومحاولة تحديد هوياتهم، ومواقفهم، بدرجات مختلفة من الوعي بالمشكل، ومن التفاعل معه.
ويتفاعل البطل مع موضوعه عبر علاقة بذاته، أو علاقة بالمجتمع، في محاولة امتلاك رؤية واضحة لذاته، وتبعا لذلك يكون الحوار حول الموضوع داخل ذهن الشخصية، أو مع شخصيات أخرى تمثل المجتمع.
ونتيجة لوضع الشخصيات الإشكالي تتحرك الذات على محوري التواصل والصراع في الوقت ذاته، مع الذات أو مع المجتمع.
ولا يقدم الخطاب السردي غالبا حلولا، ولا يغلق القصص على مواقف محددة للشخصيات، بل يتركها مفتوحة، قابلة للغلق بطرق مختلفة، وعند ذلك الجزء يدخل القارئ فاعلا رئيسا في الخطاب السردي، فبواسطته ولديه تنتهي القصة.
الخطاب السردي إذن يطرح بواسطة علاقات الشخصيات، وتواصلها مع موضوعاتها، أسئلة قابلة لمختلف الإجابات، وبقدر ما يفتح من مسارات التفاعل، يكتسب تنوع الدلالات بعدد القراءات، هي في النهاية مسألة جمالية بقدر ما هي فكرية، وفكرية بقدر ما هي جمالية

ربما يعجبك أيضا