جدلية بناء النوع الفني والعدول عنه.. عضوية العمل الفني

مكة

الاثنين 29 جمادى الأولى 1435 – 31 مارس 2014

تعد ظاهرة التمرد على حدود النوع جزءا عضويا من العمل الفني القولي والبصري وغيرهما، حيث ينبني العمل الفني على عمليتين متزامنتين ومتعاكستين ومتكاملتين في الوقت ذاته، أعني بهما النزوع للتآلف لتكوين وحدة نوعية للنوع الفني، ذات تمايز واستقلال، وفق تقنيات ومعايير، ومن ثم النزوع للعدول عن هذه الوحدة في بعض تقنياتها أو حتى معظمها، لتحقيق معيار الإبداع الفردي. ويندرج هذا العدول تحت محاولات التجريب المتنوعة، للتفرد، مع الإشارة إلى أن التمرد على النوع هو طريق نشوء أنواع جديدة، بفعل التراكم وبناء التآلف مجددا.
ترافق التمرد على النوع بظهور مصطلح (نص)، لتجاوز إشكال الانتماء الإجباري لنوع ما، فكان المصطلح حلا أمام النقاد والمنظرين للتعامل مع الأعمال التي لا يمكن نسبتها بالكامل لنوع معين. وفي ظل النصوصية -بصفتها التعالي على ضيق النوع وتوظيفا لتداخل الأنواع- ازدهرت الأنواع، واغتنت بتجريب ثري أضاف للأنواع، لأنه جزء من عملية تشكلها. هي ظاهرة أصيلة إذا، في صلب التكوين الفني، وفي صلب الإبداع، لكنها تخرج عن حدود استعمالها فنيا حين تستغل لتغطية ضعف العمل، وضعف التجربة كأساس للتجريب. إن (الاستعمال) السلبي للتمرد على النوع كتقنية فنية، والالتفاف عليها، بدلا من (توظيفها) إبداعيا، قد ساد عن جهل أوعن عمد، استسهالا للكتابة من جهة، وتساهلا بالقارئ من جهة أخرى.
يفترض أن تأخذ تقنية عدم التجنيس العمل باتجاه التعالي على اشتراطات النوع كقيود، لا باتجاه الانحطاط عنها كأفق لقراءة العمل. إنها وسيلة للتجريب، وهي ملمح عالمي، تنبه إليه النقاد والمنظرون، وعُدّ الانحراف عن النوع، أو ما عرف بـ(المسافة الجمالية) معيارا للجماليات على اختلاف نظرياتها. وينبغي أن يعتمد العدول عن النوع على تجربة عميقة في النوع، وعلى الاحتفاظ باشتراطاته أفقا لقراءة العمل، وللمسافة الجمالية المتحققة في ضوئه. ولذلك يبدو من الظلم أن نخنق التجريب بذنب دخلاء على الإبداع يستغلون ما يتيحه من حريات، والحكم في النهاية للقارئ من جهة، ولعملية بناء التآلف التي تحدثنا عنها، حيث لا يمكن للعمل الضعيف أن يبني تآلفا في مسيرة التجريب في جيله، فيسقط كورقة صفراء تنقصها تغذية التجربة الحقيقية، والأفق النوعي في العمل.

ربما يعجبك أيضا