“الهوية السردية”.. رؤية مختلفة لارتباك الهوية

مكة

السبت 24 رجب 1435 – 24 مايو 2014

متابعة للحديث عن مشاكل الهوية، تقدّم دراسات الأدب، ونظريات الفلسفة المختلفة، رؤى متعددة حول هذا الموضوع. وسبق أن طرحت اسم «بول ريكور» الفيلسوف الوجودي الشهير، وكان أهم من عالج مشكلات الهوية موظفا الأدب، تحت مصطلح «الهوية السردية» كعلاقة بين الحياة والسرد. و»الهوية السردية» هي صورة الذات المتحركة التي لا تتحقق إلا بالسرد»، والسرد هنا ليس بمعنى الإخبار بحكاية ما، بل بمعنى الحراك الوجودي الفاعل بشكل لا يمكن تصويره إلا بوسائل السرد، فالحياة الفارغة لا يمكن سردها، والحكايات لا تدور إلا حول حياة تنطوي على مغامرة وجودية ثرية.
وتحيل وسائل السرد هنا على عاملين مشتركين بين السرد والحياة، إذ يصر ريكور على مفهوم للوجود تحيل فيه الذات إلى الآخر، والحاضر إلى المستقبل، وهذا ما يجعل الحياة والسرد وجهين لعملة واحدة. «إن المستقبل هو الذي يضفي صفة الإمكان على تطلعات الحاضر، وتصنع خبرات الماضي أساسا لتلك التطلعات، ولممارستها. أما الجانب التواصلي فيضاعف من القيمة الوجودية، إذ هو يتضمن الجانب الروحي، ويحقق الأهداف الضرورية للحياة».
تتداخل الحياة الواقعية والسرد في كونهما تنويعا على ممارسة الوجود، فالهوية السردية بطابعها الزمني تؤدي معنيين متوازيين، إذ بقدر ما يستمد السرد قدراته الإقناعية من موازاته لطبيعة الحياة في تعقيداتها، هو يفسر تلك الطبيعة المركبة، الناتجة عن محاصرة الحياة الفردية والاجتماعية بإطار زمني، إذ إن الحياة ليست في صلبها إلا حركة في الزمن. وحين نقول إن السرد الناجح هو ما ينفتح على أكبر عدد من الاحتمالات للحالات والمصائر الإنسانية التي يعرضها، نطرح بذلك قيمة مقابلة، هي أن الحياة تكون ذات قيمة بقدر ما تنفتح عليه من احتمالات النجاح التي يوفرها العامل الزمني، وتستثمرها الشخصية الذكية.
و»الحياة التي تستحق أن تروى: هي الحياة التي نجد فيها جميع البنى الأساسية للسرد وعلى الخصوص اللعب بين التوافق والتضارب». ويتيح التوافق والتضارب بين مصائر الشخصيات، وداخل وعيها، تفسيرعمق الهوية الشخصية في الحياة والسرد، وكذلك تعدد الاحتمالات والخيارات الوجودية.

ربما يعجبك أيضا