القراءة وصناعة اﻻختلاف

مكة

السبت 12 شوال 1435 – 09 أغسطس 2014

ن قارىء اﻷدب في ظل انخفاض نسبة القراءة في العالم العربي، وفي ظروف يطلق فيها على قارىء الصحيفة ومتابع اﻷخبار مثقفا، يعد نخبة القراء، ذلك ﻷنه يتعامل مع نص ﻻ يسلم نفسه بسهولة، بل يتطلب قارئا ذا قدرات مختلفة ليتفاعل مع طبيعته المركبة في إنتاج المعنى.
وإنه من بديهي القول إن الشعر يقع في أعلى سلم الفنون القولية من حيث ما يستدعيه ويحفزه من مستويات القراءة، لما يتأسس عليه من البناء المجازي في كل طبقاته شكلا ومضمونا، فإذا كان السرد قطعة من الواقع في لغته وحبكته، فالشعر قطيعة مع الواقع، في لغته وطبقات المعنى فيها، من دون أن يكونا متخارجين، فليس كل ما خرج من حدود الشعر سردا وليس كل ما فاض عن السرد شعرا.
خلاصة القول إن قارئ الشعر هو نخبة النخبة، فهو الوجه اﻵخر للشاعر، وعليه أن يضاهيه قدرة على اختراق حجب المعنى، وامتلاك ناصية الصورة واللغة. إن قارئ النص الشعري – ككل القراء – هو من يوجه مسيرة الكتابة الشعرية بحسب ما يمتلك من حس شعري، فحين تبتذل كتابة الشعر – كما هو حاصل اليوم – وتجد الشعراء أكثر من القراء، نعرف أن وراء هذا قارئا لا يميز بين الشعر ورصف الحروف، ولم يسمع بالمتنبي وﻻ اﻷخطل وﻻ حتى نزار.
إن انحدار مستوى القراءة اﻷدبية هو انعكاس ﻻنحدار مستوى الثقافة، وهو قرين انخفاض معايير بناء الذات المعرفية، التي تقف وراء كل حراك تنموي، يقوم على تحفيز الذهن، واﻻرتفاع بحساسيته تجاه العالم. والحس المرهف الذكي وحده هو من يتلمس مواقع الجمال والرقي، وهو القادر على صنع اﻻختلاف، والخصوصية الحضارية.   

ربما يعجبك أيضا