الكتابة خلف قناع.. صيغة وجود مشوهة!

مكة

السبت 17 رجب 1435 – 17 مايو 2014

حين نتحدث عن العتبات في نص ما نكون نتحدث عن هويته، اسمه في بطاقة التعريف، لكنها في الممارسة الكتابية السعودية تتعدى -بشكل أبرز- وظيفة التعريف بالنص المكتوب إلى التعريف بالذات الفاعلة للكتابة، بل إنها تغدو معادلة لهوية تلك الذات وتمثيلا لحضورها. والهوية تراوح موقعا متوترا ضمن مكونات المشهد الإبداعي، منذ بداياته وحتى اليوم، ففي بيئة منطوية على ذاتها وتعيش عقدة الخوف من كل شيء خارج تلك الذات، كان صعبا للغاية أن ينفتح الإبداع على صيغ وجود تخالف ولو بقدر يسير هين مكونات تلك البيئة وحدودها المتكاثرة.
هذا هو الواقع الذي وجد الروائي فيه نفسه وهو يحاول بعث الحياة في نماذج الشخصيات التي بدأت تتململ في قمقمها لتخرج للوجود. بعض تلك النماذج جزء من واقعنا عاش مخبأ في الظل، فحاول أن يخرج للنور، وبعضها نشأ بفعل التغير الاجتماعي الذي عاشته البلاد في العقود الماضية، من دون أن يجد فرصة للحضور والتعبير عن ولادته ونضجه بيننا، سوى بين دفتي رواية. إنها صورة مبتسرة لفعل وجودي مرتبك، يعاني آثار الخوف والقمع، بحيث يتخذ دائما قناعا يختفي وراءه.
الهوية إذن صيغة وجود مهددة، يتم الدفاع عنها بآليات سردية، ابتداء بتوظيف العناوين مرورا بأسماء المؤلفين المستعارة، وليس انتهاء بتمويه أسماء الشخصيات والأماكن، في السرد الوثائقي، آليات تعمل كقناع هو علامة على هوية مستلبة. والكتابة باسم مستعار تكاد تكون حرفة سعودية بامتياز (وإن سبقنا إليها آخرون فلأسباب مختلفة)، فخلفها يقف الخوف من مواجهة مجتمع، يتخذ بمختلف الطرق وعلى كل المستويات موقف الإقصاء والريبة تجاه الآخر المختلف. وهي تظل في النهاية المؤشر الأقوى على استلاب الهوية وكبتها، في مقابل هوية مهيمنة، وتؤشر على التجربة الإبداعية كعلامة على ممارسة وجودية منقوصة وشائهة، سيما حين يمارسها الروائي، في الجو المنفتح الذي تتنفسه الرواية السعودية اليوم، بانفتاحها على النشر في الخارج.

[email protected]

ربما يعجبك أيضا