التعليم المبكر

التعليم المبكر : الهرم المقلوب

يزيد كل عام عدد طلاب المدارس والجامعات، وتتعقد مشاكل استيعاب المدارس والجامعات لهؤلاء المتلهفين على التعلم، لكن هذه الكثافة الكمية في عدد المتعلمين لا تكافئها جودة كيفية، وضحالة الوعي الثقافي لخريجي الجامعات ليست بالأمر الخافي على الجميع، بحيث لازالت القراءة في مجتمعنا عادة نخبوية بحتة. و لا نستطيع أن نلقى باللائمة فى مشاكل التعليم لدينا على قوى خارجية أو نتحجج بنظرية المؤامرة. يجب أن نقر أن لدينا مشكلة وقصور وبالتالي  نحن مطالبون أن نبحث عن الأسباب فى داخلنا.

ولأن التعليم عملية هرمية تبدأ من القاعدة وتنتهي للقمة، لا يمكن أن نتحدث عن عملية تعليمية ناجحة من دون أن نتناولها كسلسلة مترابطة، دون إغفال أي حلقة منها. وهنا سنجد أنفسنا في ملعب التعليم المبكر، لنجد أن أول ما يواجهنا في هذه المرحلة هو نظرتنا لموقعها، وترتيبها في سلم التربية والتعليم، فنحن نتعامل معها بتهاون كبير يجعل منها تبدو وكأنها المرحلة الأسهل، فداخل البيت يتوزع الأبناء الاهتمام تبعا لتقدمهم في المرحلة الدراسية، لكن هذه القيمة ليست سوى انعكاس لسلوك اجتماعي عام، بدءا من معايير اختيار المعلم لهذه المراحل التعليمية، ومرورا وانتهاء بكيفية التعامل معه والنظر إليه مهنيا واجتماعيا. ولعلنا لا ننسى كيف كانت صورة معلم الصبيان في التراث القصصي والتاريخي العربي، مرتبطة بالسذاجة والبساطة، وكيف يعزو ذلك بعض كبار الكتاب والمفكرين التراثيين إلى مخالطة الصغار. وهي نظرة مبكرة تعكس رؤية خاطئة لهذه المرحلة المهمة من وعي الإنسان، فهي مرحلة ابتكار وتكوين مفاهيم الحياة الكبرى، وليست بالبساطة التي تخيلها بها قدماء التربويين العرب.

في الدول المتقدمة يشترط فيمن يكونُ معلماً للأطفال أن يكونُ المعلّم الأعلى درجةً والأكثر خبرةً والأكثرُ شهادات, , وكلما قلّ مستوى المعلّم كلمّا أصبحَ في مراحل دراسيّة متقدّمة حيثُ يكونُ فِكر الطالبِ فيها ناضجاً وحكيماً, أو على الأقل يكونُ قد تجاوز مرحلة الطفولة التي تتشكّل فيها بداية التوجّهات والآراء وشخصية الفرد بكلّ سهولة، بينما يحدث لدينا العكس لدينا, فإلى عهد قريب كان كثيرٌ من مدرّسي الإبتدائيّة, هم من تخصصات غير مطلوبة في القطاعات الأخرى, مثل خريجي الزراعة, وغيرها من التخصصات البعيدة عن التعليم, وهم من يشكّل عقليات الأجيال, دونَ خبرةٍ ودونَ أن يكونَ لهُ أيّ علاقةٍ بكيفيّة تعليم الطفل, لقد كانت عملية التوظيف في المدارس الابتدائية -التي فيها تكون المراحل الأولى من عمر الطفل- كحلِ لمشكلة البطالة!, ومن جهةٍ أخرى هذا الحل كان السبب الثاني في خلقِ أجيالٍ لا تعي معنى العملية التعليمية وأهدافها البعيدة في تكوين شخصية .الإنسان, أما السبب الأول فهو المناهج التي تقيّد عقل الطفل ولا ترتقي به.

ربما يعجبك أيضا