ثقافة التغيير

الوطن 26 فبراير 2019


ترتبط النهضة الحضارية لأي مجتمع بتقبل التغيير لمسايرة متغيرات العصر، ونحن أمة قد اختارها الله تعالى لتكون قائدة للتغيير الذي حول الإنسانية من التخبط والتشتت، إلى توحيد الله تعالى، بشريعة تضمن صلاح الدنيا والدين. ولعل مرورنا بقرون من الركود الفكري أدت إلى عودة التزمت والنظر إلى التغيير بوصفه عدوا، بصرف النظر عن مبررات هذه العداوة. وشاء الله أن يقيض لهذه الأمة مرارا من يجدد لها خط مسيرتها، ويكشف عنه الغبش، حتى لا تضيع معالم الطريق، مهما ضاعت السبل.

وها نحن وصلنا مرة أخرى لمرحلة تتسم بقفزات هائلة في مسيرة المدنية، تجاوزت معاييرنا للحداثة، فأصابنا نوع من الصدمة الحضارية، عاد معه التغيير عدوا لنا، وصرنا لا نبارح موقعنا في مراتب خلف عوالم أولى وثانية وثالثة. وضاعف من خوف التغيير ما جد من انفتاح متطرف على الثقافات المغايرة، بلا معيار سوى الرغبة في كسر دائرة العزلة، كان ذلك ردة فعل معاكسة للتطرف في الخوف من الآخر! وهو انفتاح لسنا مخيرين فيه، فوجودنا وثقله محكوم بموقعنا وعلاقاتنا داخل هذا العالم العائم، وهذا ما جعل مسؤوليتنا تتضاعف لتحديد موقعنا تاريخيا وجغرافيا في المنظومة الحضارية الحديثة شديدة التعقيد.

وعلى الرغم من الأزمات الكبرى التي واجهها مجتمعنا في السنوات الأخيرة، نجد أننا في اتجاهنا الصحيح لتعديل بوصلة الانفتاح على العالم، والخطوات التي اتخذت لنصل لهذا المستوى من الاعتدال في العلاقة بالآخر ليست بالشيء البسيط، وإن تكن غير منظورة، فقد جرت إعادة هيكلة على نطاق واسع في مجالات عديدة، ومنها الاقتصاد والتعليم، ليس أقلها ما جرى من تطوير في نظام التعليم وإدارته، سواء العام أو العالي، فهيكلة أي مؤسسة هي أول نقطة في سطور نجاحها أو العكس، وفي هذا السياق أصبح لتطوير التعليم العام والعالي مؤسستان ضخمتان تضطلعان بتلك المهمة، وأشعر بالتفاؤل كلما  رأيت عنوان إحداهما يحتل مساحة كبيرة من واجهة مبنى ضخم في عاصمتنا الحبيبة.

ما أقوله هو أن علينا مسايرة التطور العالمي في شؤون الدنيا، من دون أن يمس هذا ثوابت ديننا، وألا نرى في التغيير عدوا متربصا، فالتغيير ليس مرادفا دائما للانقلاب على الخصوصية. وفي سبيل ذلك نحن في حاجة ماسة إلى إعادة بناء ثقافة التغيير للجمهور، لكي لا يجد المشككون طريقا للطعن فيها، بدعوى الخصوصية، الأمر الذي كان يتفق وانغلاق مجتمعنا وقلة إشكالاته، بينما لم يعد ملائما الآن وقد تعددت سبل المعرفة، وتشعبت الإشكالات.

إننا ملزمون بغرس ثقافة للحداثة المعتدلة، وإشراك المجتمع في الأعمال التي تضطلع بها الدولة، من خلال برامج توعوية مركزة وممتدة، تتقاسمها المؤسسات المختلفة، علينا أن نستثمر وسائل الاتصال والإعلام المختلفة، وأن نضع المواطن في قلب الصورة، ليتمكن من تحديد واجباته، والإيمان بجدواها في نهضة مجتمعية عامة، تعم فائدتها الجميع، ليكون المساهم في النهوض بالوطن ولبنة في خط الدفاع عن أمنه. ساعتها سيتحول الجميع إلى فرسان في ميدان الوطنية، فتتحقق المقولة الشهيرة: “الواحد من أجل الجميع، والجميع من أجل الواحد”.

ربما يعجبك أيضا