الإرشاد النفسي

الإرشاد النفسي : في قلب الصورة أم إطارها ؟

ليس جديداً ما يسمعه العديد من الناس من تمرد الاطفال على الذهاب للمدرسة ورفضهم للتعلم أو حتى التمارض وإيثار البقاء في المنزل بعيداً عن الجو المدرسي الصارم وإكراهات المعلم، غير أن أسباب كل ذلك ومظاهره تختلف من طالب لآخر.. وتتنوع مظاهر الرفض هذه من الإنطواء على الذات بين جدران المدرسة وعدم الحماس للتعلم، إلى الخوف المستمر من مصدر مجهول أو وهمي..

أمام كل هذه المظاهر قد يقف الأهل مدهوشين بإزاء هذه المظاهر ، عاجزين عن معرفة أسبابها ، لكن المدرسة ليست دائما السبب في تدهور الحالة النفسية لدى بعض الطلاب، فقد تكون هناك أسباب قادمة من المنزل ، أو حتى من خارج المنزل والمدرسة معا ، وهنا دور المرشد الاجتماعي ، الذي يستطيع بمهاراته التعرف عليها والتعامل معها بحساسية المتخصص المتمرس .

هل يتوقف انعكاس الحالة النفسية للطالب على القدرات التحصيلية لديه فحسب؟ لا ،بل إنه يمتد ليشمل حياة الطالب وعلاقاته بالآخرين . بل يدخل في تكوين شخصيته وإخراجها بميول معينة ، قد تعود بالسلب على المجتمع ، لا على الطالب أو أسرته المحيطة فحسب . وهنا “يبدو دور الإرشاد التربوي في المدرسة أساسياً ومهماً في تكيف الطالب الشخصي والاجتماعي وفي نجاحه وانجازاته المدرسية وفي خياراته المهنية المناسبة وبالتالي في اسهامه في مجتمعه، ومن المهم الاشارة إلى أن عملية الإرشاد والتوجيه جزء من العملية التربوية التي تهدف إلى العناية بالطالب وتوجيهه بما يحقق ذاته وتحقيق اهداف المجتمع الذي ينتمي إليه” .

وفي حين أن وزارة التربية والتعليم قد أبدت توجهاً ملحوظاً بالعناية بالصحة النفسية للطلبة بتخصيص مرشد اجتماعي لكل مدرسة، إلا أن واقع الكثافة الطلابية في مدارسنا تتطلب وجود اكثر من مرشد اجتماعي في المدرسة ، لخلق بيئة مدرسية توفر الرعاية النفسية والصحية إلى جانب توفير الرعاية التربوية والعلمية، فواجبات المرشد الاجتماعي لا تتوقف عند دراسة الحالة ، وإحصاء الحالات ، وتوثيقها ، بل تمتد الى التعامل مع الحالة ، وتخطيط برنامج خاص لكل حالة على حدة . وهذه الوظيفة لا تفي بها حقيقة وضع المرشد الاجتماعي ، ولا أدواته في مدارسنا ، فمكتب المرشد الاجتماعي لا يختلف عن أي مكتب ، داخل غرفة جافة ، خالية من مقومات الخصوصية التي يتطلبها عمله .

إن ما يحدث في مدارسنا هو أن المرشد الاجتماعي منشغل في أحسن الأحوال بشكليات تتعلق بدفاتر أحوال الطلاب ، خاصة من الناحية المادية ، وعلى الرغم من وجاهة هذا الدور إلا أنه لا يجب أن ينشغل به المرشد عن دوره الرئيس ، في التعامل مع الحالات النفسية للطلاب ، خاصة المضطربة منها . وأحيانا كثيرة ، يتضاءل حضور المرشد ، ويتقلص دوره لمجرد مراقب لسلوكيات الطلاب ، مما يظهر اضطراب مفهوم الارشاد الاجتماعي والنفسي لدى الجهات المسؤولة ، لدرجة أن يعين فيها المعلمون من أي تخصص ، فكل ما يحتاجه المعلم بحسب مفهومهم للارشاد النفسي والاجتماعي ، هو دورة صغيرة في كيفية إدارة دفاتر الحالات ، وجداولها وتعبئتها ، لتشكل سندا ووثيقة شكلية على النشاط الارشادي للمدرسة . وهي ظاهرة ينبغي التعامل معها بجدية ، لتصحيح وضع الارشاد النفسي والاجتماعي ، ومفهومهما ،  ففي ظل الأزمات الأخلاقية التي تعانيها أجيال اليوم ، تبدو الحاجة للارشاد النفسي والاجتماعي ماسة ومضاعفة ، فإلى متى سيظل مقعدا المرشد الاجتماعي وزميله النفسي شاغرين فعليا في مدارسنا ؟

ربما يعجبك أيضا