الأرقام في حياتنا

الأرقام في حياتنا

اطلعت من فترة على كتاب الاستاذ عبدالرحمن عبدالله نور ، عن الارقام في حياتنا، وقد تناول فيه بعض المشاكل الاقتصادية وغيرها، التي تعني الفرد والمجتمع، ابتداء من طريقة وضع الميزانية الأسرية ، إلى ميزانية الدولة. تحدث الكتاب مثلا عن طريقة تصورنا لميزانية المنزل، التي تقوم أساسا على تصور خاطيء لاحتياجاتنا، وهو تصور مبني على نظرة غير عملية، نظرة استهلاكية لا يحسب فيها حساب للجانب الإنتاجي .

وفق هذه النظرة يتم استهلاك موارد الأسرة أولا بأول، دون النظر إلى عامل التوفير فضلا عن عامل تنمية هذه الموارد بأي شكل. لا يتم حساب الميزانية وفق قانون الأولويات وهرم الاحتياجات الإنسانية ابتداء من الضروريات وانتهاء بالكماليات ، بل يحدث الأمر بطريقة عشوائية فضلا عما يحدث غالبا من قلب الموازين وغلبة الكماليات على ميزانية الأسرة واستهلاك معظمها . كل هذا له ارتباط وثيق بإهمال ثقافة الأرقام واستغلال فاعليتها في تنظيم شؤون حياتنا ، وفق نسب دقيقة متوازنة تحفظ توازن هذه الحياة وسيرها على خط معتدل .

إن استغلال إمكانيات الأرقام في تنظيم شؤوننا الصغيرة والكبيرة هو أمر وارد في مؤسساتنا العملية ، لكنه غائب عن حياتنا الخاصة ، وهذه ثغرة يجب أن نسدها ، لأن أثرها خطير وواضح على هيكلية مجتمعنا ككل ، فكثير من الأسر تنوء بمديونيات ضخمة تهدد استقرار الأسرة النفسي وأمانها الوجداني بسبب عدم قدرتها على تنظيم حياتها المالية ، وتشتتها بين مسؤوليات ومطالبات أصحاب الحقوق في جهات مختلفة . ينطبق أمر الأرقام على ميزانية الوقت ، وليس على المال وحده ، فالوقت ثروة ينبغي استثمارها بأحسن الطرق ، وعدم استثمار الوقت هو السبب وراء كثير من ظواهر الفشل الدراسي والهدر الذي نشاهده على الطرقات من طاقات وقدرات الشباب .

كانت قضية المراتب الوظيفية ، والترقية إحدى القضايا التي تناولها الكتاب، وكيف أنها تشكو من سوء التوزيع ، بحيث لا يحصل كل موظف على حقه من الترقيات ، وبحيث تستغني القطاعات العامة عن خبرات وكفاءات قوية بتقاعدها المبكر بسبب نقص المراتب الوظيفية ، وهو نوع من الخلل في السلم الوظيفي . وهي مسألة ترجع أيضا إلى غلبة الروتين والبيروقراطية ، وبطريقة حسابية جميلة قدم الكتاب حلا للمشكلة يقوم على منظور جديد للسلم الوظيفي ، ودرجاته .

الكتاب بعد ذلك يحمل الكثير من المقترحات الجميلة لعدد من مشاكل حياتنا الواقعية ، قدمها الكاتب بطريقة مشوقة تحمل بصمة أدبية ممتعة ولغة رشيقة . والكتاب يقدم في الأساس طريقة للتفكير ، قبل أن يقدم مجرد حلول جاهزة ، وهي طريقة عملية ومرنة ، وهما صفتان نحن في أمس الحاجة لهما في وقتنا الراهن ، لنتعلمهما ونعلمهما لأطفالنا . ومثل هذه الكتب التي تقدم الفكر في قوالب سهلة لكل الشرائح تستحق التشجيع ، والتبني من قبل الجهات المختصة ، وتيسيرها وتقديمها للقاريء في كل مكان ، و هي إضافة جيدة لمكتبتنا المحلية . تحية للأستاذ عبدالرحمن النور ، ورحمات المولى تتنزل على روح والده الراحل ، العقل الجميل ، عبدالله نور.

ربما يعجبك أيضا