من أرشيف انكساراتها (2)

حين قررت أن أكتب تجربتي كانت لحظة إحساس بالمسؤولية ، تجاه من ؟ لا أدري
ولم أقرر أن أدري بعد .. كنت أتحسس العبر الموشومة على عمري كما لو كانت رسالة وعلي أن أؤديها ، رموز ومفاتيح أسرار وكل إلي تفسيرها ، ولم أسأل عن المرسل أيضا ، لا وقت لكل هذه الأسئلة ، الوقت يداهمني وعلي الانطلاق دون توقف ..
سطرت العديد من الصفحات بلا نظام ولا هدف حتى ، كنت أجد أصابعي تنزلق على الصفحات ، وتتوقف من تلقاء نفسها حيث لا تزال حفر الأسئلة متناثرة في الدرب المبهم . أترك العنوان فارغا والخاتمة مفتوحة ، وتمر الأيام وتندثر الكلمات مثل تاريخ أمة ملعونة بلعنة النسيان . أجد نفسي بعد فترة في موقع آخر أفكر في عنوان مرتجل لزخم جديد من الكلمات .. في النهاية فكرت في أن أجمع ذلك التاريخ المتناثر في فيافي الذاكرة ، من أي مكان كان ، تنبهت للحكمة من وجودي ، لم أتوصل لليقين فيها رغم أني أعرفه كفكرة عقلية . لكني أسعى الان لإنجاز شيء ما من مهامي المبتورة دائما ..
…………………..
عندما التقيت به ، لم يكن في ذهني أي فكرة عن التواصل ، كنت متعطشة للكلام ، بعد أن ربط لساني بإحكام عمرا لا أذكر مبتداه ، تهجيت حروفي الأولى معه ، علمني كيف أطرح الأسئلة ، بدلا من أن أقضي عمري متلعثمة في إجابات لست مطالبة بها ، أقامني عن كرسي الاتهام ، وأجلسني في مقعد القاضي، حاكمت الكثيرين ، ولم أستثن نفسي ، وأتقنت فنون الادعاء ، لكني كنت أرهب فقرة الدفاع .. لسبب ما لست أجهله مثلما حاولت أن أبدو ……..
لم يترك الكأس بيدي ، وإلا كان ابتلاعها دفعة واحدة قاتلا بعد عطش سنين . لقد أمسك بها وركز عينين ثاقيتين في الأفق ، ومن فوق كتفيه الفارعتين تركني أنظر لعالم لم أعرفه من قبل ، وإن كنت منه خرجت للتو ، ومارست تفاصيله بغباء محكم ..
كان يعرفني بالتفصيل ، يعرف كيف أفكر فهو من شغل آلة التفكير الصدئة في كياني ..
لم يجدها كاملة في الرأس ، وجد الكثير منها في القلب ، ولم يستطع الفصل بين جزئيها ليعمل كل منهما باستقلال …… في النهاية أصبح يعرف أني أشعر بعقلي ، وأفكر بقلبي ..
ليس هذا ما يدعونه الاشتياق ، رغم غيابه الطويل .. إنما كان خلقا آخر لحضوره فيّ
ولتخلقي فيه …


  الليلة الماضية تساءلت : لمَِ أعجز عن التوقف ؟ ما سر هذا الانبثاق المذهل للحبر مثل فجيعة ولادة أنثى ، بين أربعة جدران بلا سقف ؟

تصورت نهرا من الدماء يجري بلا توقف ، والسابحون فيه مشغولون عن الفزع أو الذهول بالكشف ، لا وقت لأي شيء غير الاكتشاف ..
لا مزيد من الأسئلة .. لا مزيد من الالتفاتات بلا أعناق .. بين استقبال وجه ملائكي ووداع توأمه علي أن أوزع روحي .. علي أن أرتب الإجوبة لأسئلة متخيلة ، أنتظرها من الصغيرة حين تنضج أصابعها ولا تجد من يحمل الحقيبة عنها في أول يوم دراسي ..


تساءلت البارحة : لم علي أن أمضي بلا تساؤل ، بعد أن أدمنت احتساء الأسئلة اللاذعة مخلوطة بشيء من فلسفة العبث ؟
أقفلت باب الأسئلة بعد أن انهمرت دفقة جديدة من الطوفان الأحمر ، ولم ألتفت لوهن يدي .. فلا وقت للالتفات.


ربما يعجبك أيضا