زوجة مع سبق الإصرار

زوجة مع سبق الإصرار

الوطن، 4، فبرير، 2007

لا أعلم بالتحديد عدد من سبقني وكتب في هذا الشأن، لكنه بالتأكيد موضوع يستحق العودة مرارا وتكرارا، وتقليبه على شتى الوجوه، ليس لأنه مؤشر لاستقرار الحياة الاجتماعية وصحتها في أي بلد فحسب، بل لأننا لا نريد أن يجد الطاعنون في بلادنا ودستورها القرآني ثغرة لتمرير شبهاتهم من نافذة حقوق الإنسان، حيث يتم الربط بين الاثنين ربطا وثيقا ترمي غايته المزدوجة إلى هز الثقة في التشريع الإسلامي، عبر الطعن في تطبيقاته في ساحات القضاء وغيرها في بلادنا من جهة، وإلى الإخلال باستقرار بلادنا وأمنها عبر تشويه صورة دستورها والبحث عن نقاط ضعفه من جهة أخرى، حيث بلادنا والإسلام وجهان لعملة واحدة، ولن ينفصلا ما دامت السماوات والأرض بحول الله تعالى.

أعني بذلك موضوع حقوق المرأة، وأطراف هذه القضية تتمثل في صاحب الحق، ومرجعية الحق، وطريقة الحصول على هذا الحق، فأما من جهة صاحب الحق، فيعد أهم سبب لتردي أوضاع المرأة السعودية هو جهلها بحقوقها، من جهة، وعجزها عن المطالبة بها من جهة أخرى. وجهلها ناتج عن كون الحديث في هذا الموضوع من المحرمات، فهو موضوع يحيط به الالتباس، حيث يلتبس الموضوع بقضايا تحرير المرأة ذات المطالب غير المشروعة في ديننا، فكثير ممن يرغبون في مناقشته يخشون أن يدخلوا في حيز الاستفهام، وتوضع أسماؤهم في القائمة السوداء، وهناك من أهل العلم من يتعامل مع الموضوع من باب سد الذرائع، فيسكت عما هو معلوم لديه، خوف فتح ذهن المرأة على أمور لا يستحب لها أن تعرفها، بينما للمرأة حقوق كثيرة تعاني من ضياعها المرأة السعودية، زوجة وأما وابنة، لكنها أمور يتم تجنب الحديث فيها كظواهر، بل يتم تقليصها – حتى مع كونها ظاهرة – والتهوين من شأنها.
ويرتبط بجهل المرأة نتيجة التقصير في مناقشة القضية من قبل أهل الرأي، عجزها عن المطالبة بما تعرفه من حقوقها، ذلك لأنه لا توجد قناة توصل صوت المرأة لمرجعيات الحكم المختصة، وحتى في حال وجود لجان حقوق الإنسان، فإنه لم تتيسر قنوات التواصل المرنة مع هذه اللجان، لعل في مقدمة هذه الحقوق، حقوق المرأة كزوجة، إذ كيف يمكن للمرأة أن تتواصل مع الجهة المسؤولة في حال كون خروجها محكوماً بموافقة الخصم زوجا كان أو عائلة، ومعاناة المرأة حين تتجرأ وتصل للقضاء، لا يمكن وصفها، لا سيما إذا نظرنا إلى الصعوبات التي عانتها حتى تجرأت وتحملت تبعات الحضور للمحكمة، والدخول في دوائر الأسئلة ومرامي النقد الجارح التي تحيط بالمحكمة نفسها، كونها ارتبطت بفعل الموروث الاجتماعي السلبي بالحدود والعقوبات والجنايات.
أما من جهة المرجعية، فقد سبق وناقشت موضوع القانون في القضاء السعودي، وكونه يحتاج للتوثيق في جميع الأحوال، دون أن يتعارض هذا مع الاجتهاد الفقهي، فما زالت قضايا المرأة، وهي جزء من قضايا الأسرة، مشتتة ضمن قضايا أخرى لا تنظيم فيها، ولا حسم. وتساءلت كثيرا، لم تبقى قضايا المرأة أكثر من غيرها، عرضة للتذبذب، ولعدم الانضباط، وللمماطلة من جميع الأطراف، لا سيما جهة القضاء ذاتها. اضطرتني هذه التساؤلات للرجوع لمراجع فقهية، وأخرى قانونية عديدة، فلم أجد أكثر حسما ووضوحا من أحكام الأحوال الشخصية، سواء في مراجعها الفقهية، أو في صورتها القانونية الحديثة، حيث صيغت بكل وضوح ويسر في صورة مواد قانونية واضحة في دول إسلامية شقيقة.. منها على سبيل المثال لا الحصر: مسائل الحضانة والنفقة، التي نجدها تتفاوت وتتعدد في محاكمنا بعدد القضاة، حيث يحل الاجتهاد الشخصي محل الحكم الناصع في قضايا محسومة، اعتنى كبار فقهاء الأمة بحسمها وعدم تركها للاجتهاد الفردي المفتوح.. ومثلها ما يتعلق بتقدير الضرر الذي يكفل للمرأة حقها في الطلاق، وكيفية إثباته، ومقدار العوض الذي يستحقه الزوج في حالة الخلع وكيفية تقديره.. حقوق المحضونين والحاضنة.. ومنها حق المطلقة الحاضنة في السكن، الذي لا يتطرق إليه القضاة ولو من باب التذكير في غياب قوانين موثقة تعرف المواطن بحقوقه، بينما نجده في دول أخرى رادعا لكثير من المتلاعبين بالطلاق عن العبث بمصائر بشر مكفولي الحقوق.. وغير ذلك من المسائل التي لا تحضرني الآن.
هذا إذا تجاوزنا عن الخلل الإداري الذي نستغربه في مظان إحقاق الحق والعدالة، حيث تقضي بعض النساء سنين تطالب بما هو حق خالص لها في الطلاق للضرر، ولا تحصل عليه، بينما تحصل عليه أخريات في أشهر معدودة، وحيثيات القضية واحدة.. وسنستشهد بقضية واحدة نملك إشهارها في وجه الهاربين من مواجهة الحقيقة، لأنها منشورة في العلن، بينما تولد الكثير من القضايا وتختنق في الخفاء دون الحسم فيها، دون إحقاق حق وإبطال باطل.. تلك هي قضية المذيعة رانيا الباز التي حصلت على طلاقها في أربعة أشهر، أو أقل، والتي أعلن محاميها بنفسه، بما تقتضيه نزاهة المهنة استغرابه من سرعة الحكم فيها، بينما تتعثر قضايا أخرى سنوات، وقد لا تنتهي إلا بمزيد من الضرر على المتظلم ومزيد من الكسب والانتفاع للظالم.
لم أتوقف عند المرأة / الأم / البنت، ذلك لأن مجتمعنا راسخ في قيمه احترام الأم ودلال البنت، على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يفرق في احترام إنسانية الإنسان بين موقعه في سلم الأسرة، مسؤولا أو مكفولا. يقع الخلل حين تحتل موقعها كزوجة، وتتغير الموازين حينها، وكأن الزواج للمرأة عقوبة، تقضيها مع الأشغال الشاقة، إلا من رحم ربي. هذا هو واقع الحال الذي تشهد به أرقام وإحصائيات الطلاق في بلادنا. هي صرخات مكبوتة أنقل شيئا منها هنا عن صدور من مات نبي هذه الأمة وهو يوصي بهن.. فاستوصوا بالنساء خيرا أيها الأوصياء.

*كاتبة سعودية

ربما يعجبك أيضا