ثلاثية

الأخلاق، الضمير، الواجب


الأحد 02/06/1428هـ ) 17/ يونيو/2007 العدد : 2191
الأخلاق، الضمير، الإنسانية، ثلاثية تميز الكائن البشري، أو تدخل في تمييزه على أقل تقدير. تقترن الأخلاق عادة بدافع الواجب، حيث نجدها محور كلاسيكيات اليونان، ملاحمهم وتراجيدياتهم، حتى الملهاة الكلاسيكية تدور حول الصراع بين الواجب والهوى، وان التفت حوله. لنقل إذن بعيدا عن تفصيلات الفلسفة، والتواءاتها، إن الأخلاق مظهر ثقافي بارد، هي مجموعة سلوكيات، يشترك في ممارستها الجميع، من دون اشتراط تدخل النوايا والرغبة الحقيقية في الفعل.
وهنا يتميز الضمير، والضمير توسيع لدائرة الأخلاق، فعندما تتوقف الأخلاق عند حدود المدرك الحسي المباشر، ينبش الضمير في تجاويف الروح الإنسانية، يدفع الضمير الإنسان إلى البحث في ركام الخفايا، والتعامل معها وإخراجها للنور، وعرضها للمحاكمة الحازمة، بينما تجعل النزعة الإنسانية صاحبها يلغي ذاته، وهو راضٍ وسعيد، حين يراها تنمو في ذات أخرى،
غياب القدوة سيجرنا إلى منطقة من التصحّر الكامل مادياً ومعنوياً

ولا يهتز ميزان سعادته بأي مؤثر خارج دائرته الروحية.
المجاملات اليومية، زيارات الأصدقاء والأقارب، هي ممارسات أخلاقية بحتة. أما قصة الصحابية التي جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تعترف بالزنا، وتطالب بإقامة الحد عليها، فهي شكل لأعلى مراتب حياة الضمير.
صديق يطعنك من الخلف، وفي هروبه يتعثر بحصاة، فتصرخ مفجوعا عليه، وتهرع لتتأكد من سلامته، وبنفس راضية. ويعيد الصديق مسلسل الانحدار، دون أن يساورك أدنى شعور بالندم، هنا تتجلى الإنسانية بكل روعتها. وطبعا ما سبق، لا يمنع تداخل الثلاثة الاحتمالي في لحظة ما.
هذه القيم الإيمانية، هي أساس السلام العقلي والذهني والنفسي للفرد، وهو السلام الذي يتيح للإنسان أن يتكيف مع مختلف الظروف والأوضاع، وأن يواجه الأنواع المتباينة من مشقات الحياة، وهو أيضا الأساس لقيام حياة اجتماعية سليمة، فالمعاملات الاجتماعية لا تسير في الطريق الصحيح المثمر، من دون مراعاة الضمير وأولويات الواجب تجاه النفس والمجتمع والوطن. ومن هنا تأتي خطورة القطيعة التي يعانيها أبناؤنا هذه الأيام، مع هذه القيم، وأثر ذلك على مستقبل أجيالنا ووطننا.
لقد بدأت القيم تتسرب من واقعنا، و بدأت أجيالنا الجديدة تفقد استيعاب هذه القيم، فهي لا تعرفها إلا سماعا عن كبار السن، حيث غابت القدوة، إما غيابا حقيقيا أو انفصالا بينها وبين النشء، ولعل ضعف الاتصال الروحي بين الأبناء والآباء، يشكل أهم أسباب غياب القدوة.
وهو غياب سيجرنا إلى منطقة من التصحر الكامل ماديا ومعنويا، ففي غياب الكفاف المادي، كنا في زمن مضى نفتخر بقيمنا الروحية، وكونها صمام الأمان لمجتمعاتنا، فماذا لو فقدنا صمام الأمان الوحيد، لنبقى فارغي اليد، من كل أشكال القيمة، مادية ومعنوية؟

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070617/Con20070617118724.htm

ربما يعجبك أيضا