اللغة والأمن الفكري

مكة

السبت 2 ذو الحجة 1435 – 27 سبتمبر 2014

اللغة بوصفها وسيلة الاتصال الأولى، مخولة بوظيفة تشكيل المجتمع الإنساني، الذي يقوم على التواصل وتبادل المنافع والمواقف، والانتظام في منظومات فكرية وعقدية وثقافية.
وهي بما تتضمنه من خصائص تركيبية معقدة، قادرة على التأثير العميق، بمختلف وسائل استعمالها: خطابة، وكتابة، وحوارا.
وذلك التأثير وُظِّف -على مدى التاريخ- في تشكيل أعظم المنعطفات الاجتماعية والسياسية والفكرية وأهمها، ولعل القرآن الكريم، الذي حول أمة من الجهل للمعرفة، ومن العدم لتكون رائدة الأمم حضارة، هو أعظم مثال لذلك.
وعبر الكلمة الملتوية يجري تشكيل عقول أجيال من الشباب، من مختلف الديانات والتوجهات الفكرية، لتبني أفكار العنف والإرهاب طريقة للتعبير والفعل.
واللغة من الغنى والكثافة الدلالية، بحيث يمكن تحويل النصوص لتحطم بنى الهوية الثقافية والفكرية، كقنابل مفخخة، قياسا على السيارات المفخخة التي يستعملها الإرهابيون، غير أن مدى تأثير الجملة المفخخة أوسع بكثير من مدى الدمار الذي تحدثه سيارة مفخخة، ولذلك يعد الإرهاب الفكري مدار اهتمام الدول التي اعتنت به كجذر وقاعدة لمقاومة أنواع الإرهاب كافة.
لقد تناول الكتاب والمراقبون محليا هذا الموضوع من خلال ملاحظات على القطاع التعليمي مثلا، حيث يتساهل بعض المعلمين والتربويين في إطلاق العبارات المفخخة، أمام التلاميذ، أو تلك المائعة التي تفتح الأقواس ولا تغلقها، ويحتج بعضهم بكون ذلك جزءا من الوسائل التعليمية المساعدة.
ومن المهم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المجتمعات الإسلامية، في مواجهة الفكر المنحرف، وفي مواجهة سعي مغرضين لوصف الإسلام بالعنف، من المهم العناية بالتعليم بشكل خاص، إذ يجب تدريب المعلمين والتربويين واختبارهم في مهارات التواصل، حيث يجب التأكد من قدرتهم على إدارة حوار هادف، واستعمال المفردات المرنة، والابتعاد عن منزلق التصنيف وفرض الرأي الواحد، خاصة في مجال يقبل الخلاف والاختلاف، كونهم يتعاملون مع خامة أكثر طزاجة وقابلية للتأثر من العقول والنفوس.

ربما يعجبك أيضا