قضية ما لها صاحب


إذا كان المجتمع لا يدين لليتيم بشيء سوى الرعاية التي يستحقها، بعد فقد أبويه بصورة لا تشينه،  فانه يدين للقيط مجهول الأبوين بالكثير

الأحد 16/06/1428هـ ) 01/ يوليو/2007  العدد : 2205

كنت تابعت حلقة من حلقات برنامج «صاحب القضية» الذي تعرضه قناة الإخبارية مساء الثلاثاء، حول موضوع الأيتام، وسبق أن تناولت موضوع الأيتام، في أحد مقالاتي السابقة، ولأنه موضوع يستحق الاهتمام المضاعف، فقد أعلنت عكاظ في عدد الأحد السابق صرخة لوزير الشؤون الاجتماعية، صرخة على لسان الأيتام أيضا، تشتكي حال الدور التي يعيشون فيها، دون أن تشير إلى مستقبلهم الذي يبدو أنه من غير المنظور والمفكر فيه، ويبدو أنه بالفعل قضية، لكن بلا صاحب. ولهذا ولغيره، سأعيد القول في هذه القضية، عطفا على ما سمعته في البرنامج، لعل أذنا تسمع، أو قلبا يشهد.
وكان البرنامج استضاف الباحث الاجتماعي الأستاذ عبدالله العبيلي، وسيدتين من نزيلات دور الأيتام، تم التعليق عليهما من قبل معدي البرنامج بلقب : يتيمة مجهولة الأبوين، وكان هذا اللقب مدعاة لسؤال عشوائي قفز إلى ذهني، حول منطقية اللقب، فكيف يمكن الجزم باليتم لمجهول الأبوين ؟ ومهما كانت ضبابية اللقب، فهو على كل حال لقب ينوء بالوجع المضاعف، فاليتم قضية، وجهل النسب ألف قضية وقضية. وإذا كان المجتمع لا يدين لليتيم بشيء سوى الرعاية التي يستحقها، بعد فقد أبويه بصورة لا تشينه،  فانه يدين للقيط مجهول الأبوين بالكثير، مقابل هذا الضياع الذي يشعر به، نتيجة وجوده كلقيط، وما يعنيه هذا من شبهات تظل تنغص روحه الهائمة مدى الحياة، وهي مسؤولية يحمّلها اللقيط للمجتمع، في غياب المسؤول الحقيقي عنها، مما يعني الكثير من الحقد والضغينة على المجتمع، قابل للانفجار تحت أي ضغط. وبسبب هذا الاحتقان الخطير، الذي يخبئه أولئك الضحايا، فإن المسؤولية تقع مضاعفة على المجتمع لرعايتهم، والحؤول بينهم وبين الانحراف وان يتحولوا لأدوات في يد المتربصين بالوطن.
ليس من السهل أن ننحي باللائمة على أية جهة، سواء كانت وزارة الشؤون الاجتماعية، أو مؤسسات الرعاية المختلفة، فكل واحد يرى في نفسه المسؤول المثالي، ويرى أنه أدى دوره، وفي ظل هذا الوضع تضيع المسؤولية، وتضيع القضية.  هذا ما قاله وشدد عليه الباحث الاجتماعي الأستاذ عبد الله العبيلي، وهو يسرد بعض القصص، ويفجر الكثير من الأسئلة الهامة، حول قضايا الأيتام ومشاكلهم. فحين تجلي وزارة الشؤون الاجتماعية دار أيتام من ساكنيها بهدف ترميمها، من المسؤول عن رعاية أؤلئك الأيتام في مقرهم المؤقت ؟ ومن المخول بالدفاع عن المتضررين منهم ؟ ومن سيخضع للمساءلة حول وضعهم ؟ إن وجود لجنة خاصة بالأيتام، مهمتها تولي قضاياهم ومشاكلهم، وتمثيلهم قانونيا، أمر ملح ووارد بقوة، في ظل تكرار مشاكل هذه الفئة من أبنائنا، وضياع صرخاتهم في الفراغ دونما استجابة. وهو أمر لا يحتمل التأجيل، ولا عوائق الروتين التي تعتور القضايا في ردهات الدوائر الحكومية، هو أمر يتعلق بأرواح وأنفس حية، كل يوم يمر يحسب من حياتها : من صحتها، ومن تكوينها الروحي والنفسي والعاطفي تجاه ذاتها وتجاه المجتمع. ومن الجدير بالذكر أن ما تقوم به الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من أنشطة في متابعة قضايا المتضررين من أبناء هذا الوطن، جهد مشكور، وقد تابعت بغبطة خبر زيارة الجمعية لمركز رعاية معوقين، وملاحظاتهم حول المركز، وكان من أهم ما قرأته، تصريح الجمعية بأن رعاية هذه الفئة هي حق لهم، وليس عملا إنسانيا من قبل أي جهة كانت.
وما دمنا قد ذكرنا الروتين والبيروقراطية التي تثقل كاهل مسيرة التنمية في بلادنا، فقد أثار الأستاذ العبيلي أيضا قضية التطوع، ويعني بها استعداد بعض الأفراد للتطوع في المساهمة برعاية الأيتام، من خلال أعمال مختلفة، لعل من بينها القيام بدور الأسرة البديلة، والحاصل أن هذا العمل يواجه صعوبات رسمية، أغلبها لا يعدو أن يكون جزءا من شكليات بيروقراطية، تصعب من تحقيق المتطوع لغايته. والجدير بالذكر أن المؤسسات الخيرية تتذرع بالحرص على مصلحة اليتيم في هذا الشأن، لكنه حرص لا ينبغي أن يكون عائقا بين اليتيم وما يحقق له السعادة والاستقرار النفسي. ومادمنا عرجنا على الاستقرار النفسي، فمن المهم أن نشير إلى قضية نقص الرعاية النفسية والاجتماعية للأيتام، وهو نقص ظاهر، تكررت الإشارة إليه من جهات مختلفة، ومن الغريب أن لا تلاحظ الوزارة هذا النقص، وهو الجانب الأهم في رعاية اليتيم، فلأمر ما جاءت الآية الكريمة بعدم قهر اليتيم، ونصت السنة على أجر عظيم للمسح على رأس اليتيم. لم يكن هذا عبثا، ولم يتجاهل النص الشرعي حاجة اليتيم للمال، لكنه أراد أن يرسخ ويشدد على أهمية الرعاية النفسية، وعمق العامل النفسي في رعاية اليتيم.
في النهاية، لرعاية اليتيم وجهان، أحدهما تطوعي خيري، يتعاون فيه المجتمع مع الدولة، ويتم فيه الاحتساب ببذل أوجه الخير في هذا السبيل، ماديا ومعنويا. وهو وجه مهم، لكن الوجه الآخر هو الأساس، وأعني به الوجه الرسمي، والمسؤولية الرسمية عن الأيتام ومجهولي النسب، وهو أمر تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية على خير وجه، لكن العمل البشري لا يخلو من الخلل، والخلل في أمور الأيتام غير مقبول، فكيف به وقد زاد ووصل لحد أن يكون قضية تثير صرخات لا تنقطع، ولا سامع لها ؟  

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070701/Con20070701121947.htm

ربما يعجبك أيضا