تجربة النشر بين الثقافة والإعلام

وبعد 12 عام من كتابة هذه الأحرف، واستجابة لطموح المؤلف السعودي:
يناير/2019 منصة المؤلف السعودي، نافدة أشرعتها جمعية الثقافة والفنون بجدة، بإشراف وزارة الثقافة.

اضحت تجربة النشر معاناة يتشاركها كل مبدع في بلدنا . نظرا لغياب الدور الفاعل لدور النشر ، بحيث لا يفكر الواحد منا في نشر نتاجه . ولعل من أسباب غياب هذا الدور ، أسباب مادية تتمثل في قلة تفاعل القراء مع الكتاب ، لكن هناك ما يزيد ضحالة الفعل الثقافي لدى دور النشر ، وهو انحياز هذه الدور للكتاب التقليدي ، أو بالأحرى الكتاب الاستهلاكي ، وهذا ما يضاعف مشكلة القراءة لدينا ، فهذه الكتب الاستهلاكية تخلق وتنمي أجيالا من القراء غير الفاعلين . ويأتي دور التوزيع ، حيث مر التوزيع بصعوبات ، منها إجراءات المكتبات ومنافذ التوزيع الروتينية ، وعلى سبيل المثال ، الكتب الصادرة حديثا والتفاعل معها ينبيء عن شريحة جيدة من القراء ، لكن دور النشر بغيابها ، أو بحضورها الأعرج ستعيق نمو هذه الشريحة ، والأمر راجع في الأساس لغياب وزارة الثقافة عن المشهد الثقافي ، الأمر الذي جعل دمجها مع وزارة أخرى ، كتتمة وشيء زائد عن الحاجة .

إن عملية النشر عملية معقدة, بدءًا من تقديم المادة الإبداعية, وفسحها وطباعتها, وانتهاءً باستقبال العمل من القارئ. ومن قضايا النشر التي تطرح نفسها في الفترة الأخيرة ، استمرار بعض المبدعين في النشر الخارجي ، مع تغير الظروف والإمكانات ، فلماذا يضطر المبدع للرحيل بإبداعه للخارج ؟ مع أن الرقابة لم تعد عائقا كبيرا, في ظل تحسن ظروفها ومرونتها في شروط الترخيص ؟ يقع عبء هذا السؤال على عاتق المبدعين الناشرين الخارجيين, والأندية الأدبية, وهذا يؤكد ضرورة تقديم ورقة عنهم لوزارة الثقافة لغربلة موضوع النشر الحيوي.

وأنا أتساءل حول انعدام الحيوية في النشر المحلي ، هل يرتبط بانعدام مماثل للقراءة لما ينشر؟ , وهل يعود ذلك إلى عدم وجود وعي في ترويج الأعمال, أم إلى قلة الوعي والاهتمام بالقراءة من قبل القاريء المحلي ؟ وأدعو في الوقت ذاته إلي ضرورة وجود مؤسسات لرفع الوعي بالكتاب, وأعول على وجود جمعية للناشرين في ذلك. أم أن ضعف حيوية النشر يعود إلى عدم قدرة دور النشر المحلية على الربحية ؟ وذلك في ظل تكاليف التوزيع العالية, وقلة المشترين, بعكس الخارجية التي تستفيد من عوامل أخرى في كسب القارئ العادي.

إن غياب الدور الفاعل للنشر متمثلا في قلة تفاعل القراء, أدى لوجود أزمة نشر, واللوم يقع بقدر كبير على غياب وزارة الثقافة عن المشهد الثقافي, ويبدو أن دمج الإعلام والثقافة له دور كبير في ذلك ، فمن المعلوم أن لكل من الإعلام والثقافة مجال مستقل ونشاط مختلف عن الآخر ، ينبغي الاستقلال به والاهتمام بشأنه . إذ يوجد أزمة حقيقية في نوعية القارئ المحلي, والمطلوب ضرورة وجود تنمية للحس القرائي, وخلق جيل جديد من القراء الواعين, وضرورة وجود أنشطة ممتدة لا وقتية لرعاية الوعي الثقافي والقرائي, وهذا سيحدث حين تراعي كل جهة اختصاصاتها وتتميز فيها ، ونحن ندعو المؤسسات الرسمية والناشرين إلى ضرورة توفير الكتاب في يد القارئ في كل مكان ، فهذه إحدى الوسائل التي ستسهم في إزاحة عقبة أمام الجيل المقبل على الكتاب ، والله الموفق.

عكاظ 2007

ربما يعجبك أيضا