ومكلف الأشياء ضد طباعها

الوطن 2007

ومكلف الأشياء ضد طباعها
أكتب مقالاتي عن تفاعل مع وقائع حقيقية ، عايشتها أو عشتها ، ولذلك لم أستقبل الملاحظة الودودة لصديقة لي ، بأنني انضممت لكتاب الخدمات ، بغير ابتسامة شكر على متابعتها الحريصة علي . وفي الواقع ، نظرتي أنا تختلف عن نظرتها لمن صنفتهم كتابا للخدمات ، فحتى أكبر الكتاب يزورون المستشفيات ، ويسجلون أبناءهم في الجامعات ، ويتعاملون مع المرافق المختلفة . ولهذا فليس مما يحط من قدر الكاتب أن يكتب عن قضايا الناس ، إن لم يكن هذا واجبا يتحمله .
لقد تعقدت المسائل الأمنية ، وزادت أهميتها في وقتنا الراهن ، ومع الأحداث في السنوات الأخيرة ، وما يحدث من توظيف صغار السن – على سبيل المثال – ودفعهم إلى ساحة العمل ، وميادين المواجهة ، دون إعداد جيد ، أمر لا يقبله الضمير ، ولا المنطق ، فهو لا يحقق أي غرض أمني ، فضلا عن المخاطر التي يتعرض لها رجل الأمن ذاته ، وأي شخص يكون متواجدا في ساحة المشكلة . وأعجب وأنا أشاهد شبابا لم تنبت عوارضهم ، في أفواه الشوارع ، في ظلمة الليل ، وأتساءل ، أي أمن قد يحققه مثل هؤلاء المراهقين ، وهم يغالبون الوحشة والخوف كما تشي به ملامحهم ؟ وكيف سيتصرف مثل هؤلاء في أي موقف طاريء ؟
ليس من الواقعي أن يكون الجهاز الأمني ، هو محطة لكل من لا يفلح في سواه ، الفاشلون في التعليم ، والعاطلون من أي مهارة ، موئلهم العمل في الجهاز الأمني ، وكأن رجل الأمن آلة جسدية لتنفيذ أوامر محددة ، وهذا خطأ جسيم ، فرجل الأمن يتحمل مسؤولية عظيمة ، يحتاج معها لأن يتصف بالحكمة وسرعة البديهة ، وحسن التصرف فيما يواجهه من مشكلات ومواقف لا يمكن التنبؤ بها ، والتعامل مع المواقف من هذا النوع يتطلب إعدادا عاليا ، ومهارات خاصة . وليس هذا ما نجده فيما نسمع عنه من مواقف ، ونواجهه أحيانا في الطرقات ، أو في مراكز الشرطة . تحتاج مراكز الشرطة في إدارتها لمتخصصين في القانون ، وليس إلى خريجي الآداب والعلوم ، بدورة لا تزيد عن أشهر ، فمن غير المقبول أن يدير مراكز الشرطة أشخاص غير مؤهلين ، من غير خريجي كليات الأمن ، والكليات المتخصصة ، بحيث يمكنهم التعامل مع متطلبات إدارات الأمن ، التي تطال حيوات الناس أحيانا ، فضلا عن سمعتهم ، وأدق شؤون حياتهم الخاصة .
على ذمة الراوي :
يشاء القدر لهما أن يشاهدا جريمة حية ، سيارة تتم سرقتها في وضح النهار ، من قبل مراهقين منحرفين . ماذا يفترض بهما أن يفكرا به ؟ بالطبع كان القرار ، الذهاب لأقرب مركز شرطة ، وتسجيل الواقعة ، وهذا ما تقول به طبيعة المواطنة في كل أنحاء العالم المتحضر ، لكن طبيعة ما يحدث في بعض مراكز الشرطة لدينا أمر مختلف ، ومكلف الأشياء ضد طباعها … متطلب في الماء جذوة نار …
ما حدث للشابين الصالحين كان مفاجأة لخيالهما الجميل حول الشرطة وأسطورة خدمة الشعب ، حيث استقبلهما الضابط المسؤول ، في أحد مراكز شرطة مدينة جدة ، بقائمة لا تنتهي من التحذيرات ، والتهديدات بشأن سلوك التبليغ ، وانشغال الشرطة بقضايا أهم ، والتحقير من شأن ما فعلاه ، رغم ثبوته وحضور المتهمين واعترافهم .
ومحتجَز بمخالفة سرعة ، يقرر الضابط في أول الصباح أنه سيحتجزه يومين ، دون أهمية لدفع الغرامة ، ويتقبل الأمر ، بكل قلقه وتوتراته ، ويقضي في الاحتجاز ثلاثة أرباع يوم دراسي حافل ، وفي المساء يقرر ضابط آخر أن الغرامة هي الأصل ، ويطلق سراحه في ليلته . في حالته كان خلاف الضابطين رحمة ، لكنهما لم يختلفا كثيرا في جهلهما أو تجاهلهما قواعد تنظيمية محددة ، تحكم عملهما ، ويفترض أن تكون حاسمة في كل واقعة وحدث .
امرأة يأخذ طليقها طفليها الصغيرين جدا ، بغرض رؤيتهما ، ثم يغادر بهما إلى جهة غير معلومة ، فماذا يفترض بالمرأة أن تفكر ؟ طبعا ستفكر في قصد أقرب مركز شرطة . تدخل المرأة للمركز ، فيقوم الجالسون أمام الأبواب ، وخلف المكاتب برفض قبول دعواها على أنها ليست من اختصاص الشرطة ، بل من اختصاص المحكمة ، فتشد الرحال للمحكمة ، التي تعيدها بعد أخذ ورد ، للشرطة ، لتكتشف في النهاية أن اختطاف طفليها ليس من مسؤولية أحد .
وزوج في خلاف مع زوجته يصل لنزاع حول الطلاق ، ترفع الزوجة على زوجها دعوى خلع ، فكيف يفكر الزوج المضطرب ليواجه هذه الدعوى ؟ فكر بالادعاء على زوجته بانحرافها أخلاقيا ، وأين سيذهب لإثبات هذه الدعوى العبثية دون أي دليل يسندها ؟ طبعا لأقر ب مركز شرطة . يذهب الزوج ، ويدعي على زوجته تورطها في علاقة غير شرعية بالهاتف ، تسجل الشرطة الادعاء على أنه تهمة ، ويتم استدعاء الزوجة لتعترف بالتهمة أو تنكرها ، دون أن يطالب الزوج المدعي بأي دليل . محضر يوثق ، ويهدد سمعة أسرة ، من دون أي دليل . يبقى أن نتساءل ، وسط هذا الغبش القانوني ، في مواقع تمثيل القانون وتنفيذه : ترى أي شعب تخدمه الشرطة ؟

ربما يعجبك أيضا