الإعلام البرلماني وصناعة الصورة الذهنية لمجلس الشورى

http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=35749

كتب الزميل علي الشريمي في عدد «الوطن»: الخميس 16/‏ 11/‏ 2017 مقالا منطقيا جدا حول أداء مجلس الشورى، منطلقا مما أسماه «نشاط إدارة السمعة» من حيث هي وسيلة لقياس الصورة الذهنية للمؤسسة لدى العملاء، وهي تكنيك إداري يسهم في قياس أداء المؤسسة، سعيا لوضع الخطط الملائمة للتطوير وفق حاجة العملاء، وتجيء جنبا إلى جنب مع وسائل استطلاع الرأي الأخرى.
وتناول المقال المجلس في ضوء أحد منجزاته، أعني التصويت لملاءمة دراسة نظام «مكافحة التمييز وبث الكراهية»، ومن واقع التحلي بأخلاقيات الإعلام المسؤول، ألقى الزميل الضوء على هذا المنجز بوصفه نقطة تحسب لصالح المجلس، في العناية بقضايا المواطنين، وجاء إبراز هذا المنجز في سياق عتبه على المجلس فيما يراه تقاعسا عن دوره المأمول والمتوقع منه تجاه المواطن، وهو عتب في محله، ونقاش ناضج للتجربة البرلمانية السعودية، لكني أود أن أضيف سؤالا مهما للمقال، إذ جعلني أتساءل: إذا كان المجلس يصنع سمعته لدى الجمهور، فما مصلحته في الانتقاص من هذه السمعة؟
ولعل رؤية مختلفة لهذا المحور المهم، تجيب عن بعض السؤال، رؤية تنطلق من منظور العلاقة بين المجلس والجمهور، ودورها في بناء الصورة الذهنية للمجلس، وتلك العلاقة نتيجة عمل مشترك بين المجلس والإعلام. ولن يكون دافعي في التفاعل مع المقال الراقي كوني أحد أعضاء المجلس، كما لا يمكنني التنصل من خبرتي بالعمل فيه والحديث من واقع لا افتراضات، بل سأجمع منظورين ربما ساعداني في إلقاء مزيد من الضوء على ما تفضل به الزميل الكريم.
كان المعيار الذي وضع في المقال للحكم على أداء المجلس هو رضا العملاء، وهم هنا جمهور الشعب السعودي، وهو معيار سليم ومعتبر في أصله، لكن هذا الجمهور منعزل ومعزول عن المجلس، فكيف يكون مرجعا للحكم عليه؟ من أجل قياس دقيق لصوت الجمهور، الذي تشير لـ«إدارة السمعة»، يجب أن تتوفر البيانات كاملة، عبر وسيط محايد، وليس الوسيط سوى إعلام مهني، محترف، حيث يعتمد النشاط البرلماني الصحي على إعلام متخصص، يتقن التعاطي مع أحداث على مستوى من الأهمية في مؤسسات الدولة العليا. ومن خلال متابعاتنا للمراقب الإعلامي المحلي لعمل الشورى لا نجده يحقق هذا المستوى، فنحن نقرأ في مشاهدات مندوب صحيفة ما لإحدى الجلسات -على سبيل المثال- «اختل عمل المايك لأحد الأعضاء أثناء مداخلته!!»، ونقرأ مانشيتات عريضة عن نوم عضو ربما اتكأ برأسه على مرفقه يقرأ، أو يعاني صداعا، ونقرأ عن عبارة رنانة لا تحمل أي مضمون قيم لعضو آخر، بينما يغفل هؤلاء المراقبون الإعلاميون عشرات المداخلات الساخنة، تدافع عن معاناة المواطنين في جهات مختلفة، وتكشف مواطن خلل في مؤسسات، وتطالب بمساءلة مسؤولين.
يلتقط المراقب الإعلامي -بمراوغة- مناقشة لجنة البيئة -ضمن اختصاصها- لميزانية هيئة الحياة الفطرية، في معالجة ظاهرة معينة، فيتجاهل محور النقاش حول محاسبة الجهة على حجم ومحل صرف الميزانية، ويصرف انتباه الجمهور لفقاعة إعلامية كبيرة ومصنوعة، حول هامشية القضايا التي يعالجها المجلس! على الرغم من أن الحوار حول حماية الحياة الفطرية -فيما لو صدق العنوان المثير- هو شأن وطني، ولا شيء هامشيا في التخطيط السليم لبنية قوية لتنمية مستدامة على مختلف المستويات.
ليس ما سبق إلا أمثلة تعبر عن عدم اكتمال العناصر اللازمة لتحقيق قياس السمعة، واستطلاع الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعني توفر البيانات الكافية ومن مصدر محايد، وعلى مستوى الحدث، فإعلامنا المحلي لا يزال يعمل وفق مبدأ الإثارة الفارغة، (أقولها تحرزا من الإثارة الاحترافية التي تصنع الرأي العام)، وهو لم يقدم نفسه ليكون مراقبا وشاهدا ووسيطا محترفا في التعاطي مع العمل البرلماني.
من جانب آخر، لا يمكن تبرئة المجلس من العزلة الكبيرة الطويلة عن الجمهور، وتحييد الناس عن قضاياهم، ويرجع ذلك من وجهة نظري إلى تجربة كانت تخطو بشيء من الحذر للنضج برلمانيا، فهناك تهيب من مشاركة الجمهور، خوفا على إحداث بلبلة وشق في وحدة الصف، وذلك مبني -من وجهة نظري- على عدم مواكبة المجلس -سابقا- لتطور الوعي المجتمعي من جهة، ولتزايد أهمية الحوار والشراكة المجتمعية في إنضاج العمل المؤسسي من جهة أخرى. وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دورها في تطوير قنوات الحوار وأساليبه، وتوسيع حقول الرؤية في مختلف القضايا، فلم يعد مجتمعنا ذلك المجتمع المنغلق الذي يحتاج للوصاية على كل شؤونه، بل اكتسب من الانفتاح على الثقافات والمجتمعات تجربة تؤهله ليكون اليوم أكثر الشعوب دراية ومشاركة في القضايا العالمية، فضلا عن المحلية، على مختلف الأصعدة.
لقد عاش المجلس مرحلتين في انفتاحه على الجمهور، فانغلق ومنع الناس من الاطلاع على منجزاته، وحرم نفسه من التقدير العملي لأعماله، إيجابا وسلبا، ثم انفتح دون أن يؤهل إعلاميين محترفين في التعاطي مع عمله. وأنا لا أعني بالاحتراف هنا تكميم أقلام المراقبين عن السلبيات، وإطلاقها للتلميع الزائف، بل أعني أن يكون المراقب الإعلامي على مستوى المسؤولية، في نقل ما يهم المواطن، بالقدر الكافي من الوضوح، وبترتيب القضايا بحسب أهميتها للمواطن، لا بحسب أهميتها للصحيفة، ولأهداف وطنية لا لأهداف تجارية، وأن يقدم الخبر جاذبا ومثيرا، لكن ليس على حساب المصداقية.
المجلس اليوم يعيش أفضل حالاته في ظل الصلاحيات الرقابية التي منحت له بتوسع في عهد سلمان الحزم، وفي ظل الانفتاح الكامل على مناقشة كل الملفات (التي كان يحفظ بعضها سابقا لأحوال تقتضيها ظروف يحيط بها ولاة الأمر)، انفتاحا أطلقه القائد الشاب سمو ولي العهد، في منهج جديد للتعاطي مع الإصلاح والبناء والنهوض بالبلاد من عثرات أخرتها في مضمار التقدم عقودا. وهذه فرصة لتجسير العلاقة بينه وبين الجمهور، وهو اليوم يقدم ذاته عبر وسائل التواصل، ويصل للناس بأقلام أعضائه، وتفاعلهم مع الناس، وتوزيعهم على خارطة قضايا الوطن. وبعين المواطن أنتظر من الإعلام أن يفعل الشيء نفسه ويوزع اهتمامه بعدالة على ما يعالجه المجلس من قضايا، وألا يختصرها فيما يخدم أهدافا شخصية. ومن موقعي عضوا في المجلس أرجو من المواطنين والإعلاميين أن يطلعوا على مواقع المجلس، ويراجعوا قراراته السابقة، ويتواصلوا معه ويطلبوا المعلومة من مصدرها الصحيح. ساعتها سنكون في الطريق الصحيح لإدارة المجلس سمعته، ولصناعة الجمهور هذه السمعة في ظروف صحية تحقق أهداف الجميع في خدمة المواطن ورفعة الوطن.

أسماء الزهراني 2017-11-17 11:36 PM

ربما يعجبك أيضا