“بقعة حمراء”.. قراءة لنصوص القاصة هدى المعجل

أمسية نادي مكة الأدبي/ 2008

أصدرت القاصة هدى فهد المعجل مجموعتها القصصية الأولى عن نادي حائل الأدبي، 2005م، “بقعة حمراء” وتضمنت ثلاثة عشر نصا قصصيا، تنوعت ما بين موضوعات اجتماعية ووطنية وعاطفية، وشرفتني بإهدائها إياي نسخة من هذه المجموعة. وصدرت لها مجموعتها الثانية، ووددت لو كانت وصلتني لأشهد تطور تجربة القاصة وامتداد رؤيتها الفنية نحو مزيد من الخصوصية. وسنستمتع اليوم بالانصات لنصين جديدين لها مضافين إلى نصين من مجموعتها الأولى. “أروى” و”كهل متصابٍ” و”صديقتها الأثيرة” و”قطعة شوكولاتة”.

في نص”أروى” للقاصة هدى المعجل توظيف للحلم، بوصفه نصا سرديا من مستوى تخييلي مضاعف، فهو يضيف بعدا تخييليا آخر على النص السردي، الذي هو نص تخييلي بالأساس، ليضخ في النص امتدادا رؤيويا، يتنقل بالمتلقي بين واقع الحلم وواقع القصة، يستعيد الحلم طفولة الساردة فيسقطها على واقعها الحاضر في السرد، كما يسقطه على ماضيها من خلال استعادة ذكرى والدتها المتوفاة، وهو بذلك ينفس عن مخاوفها التي تلازمها في الصحو والمنام، مخاوف تتعلق بالأمان والثقة والمستقبل.

تجتر الساردة من خلال الحلم/ الكابوس، طفولة هاربة مفقودة خلف جبل الحاضر الثقيل، ضغوطات الوالد وزوجته من اجل قتل آخر أمل في الأمان، الأمان الذي تم إعدامه من قبل الوالد الذي بادر مسرعا بعد وفاة زوجته للزواج من صديقتها التي فرق بينهما بنفسه، المان الذي فقدته مع طفولتها التي فقدتها مع دفنتها مع والدتها في قبر الغدر والخيانة التي تمثلتهما في قبح وجه زوجة والدها وأخيها.

يضفي الحلم على النص نوعا من الغنى التاويلي، من خلال الانتقال بين مستويين سرديين، أحداث الحلم وأحداث القصة، لكن النص لم يتمكن احيانا من الإمساك بأطراف الخطاب ليوزع الحدود بين المستويين بالدقة الكافية، على فضاء النص الكتابي، فنحن نجد اجزاء من كل منهما مختلطا باجزاء من الآخر، ففي المقطع الثالث نجد جزءا من الحلم يفتتح المقطع، وكان يفترض أن يكون خاتمة المقطع الثاني الذي يعد جزءا من الحلم.

ولعل سمة الارتباك في تنظيم فضاء النص يتكرر في نصها “كهل متصاب” حيث توظف الكاتبة الوصف المشهدي الدقيق لتفاصيل العلاقة بين المرأة والرجل/الزوج، في درجات مختلفة بين الفتور والتوهج، تنتقل بين مشاهد من الماضي وتقاطعها بمواجهات للحاضر في محاولة لفهم غموض هذا الرجل، الذي تحول من فورة الشباب إلى فتور الشيخوخة في وقت قصير بين فترة الخطبة وفترة الزواج. تعاود الغوص في تفاصيل حميمية حسية وتستغرق فيها لتصحو على مفاجأة تفسر موقفه منها، طلاقه زوجاته الخمس وهن أبكار، ولعل جمال هذا النص يتمثل في خاتمته التي جسدت حل عقدة النص، بطريقة مفاجئة وصادمة للقارئ، بعد تنقلات وتأملات طويلة في تفاصيل علاقتها الحميمة بزوجها. لكني أجد الانتقال المباغت بين المقطعين الأول والثاني غريبا وغير مقنع كما يظهر في المساحة التالية: (بمعيته طُعِنتُ في أنوثتي _ أو هكذا شعرت _ ولزمت الصمت منكفئة على نفسي، وخيبة أملي، فلا صدر يحتويني بعد غياب أمي، وجلطة ألمت بأبي أفقدته السمع، والنطق معاً.

*   *   *   *

ما زلت أجد دفء أنامله وهو يمررها على عنقي، ويعبث بخصلات شعري، فأسدل جفنيّ على قبلة حانية منه، وقلب متسارع النبضات، فإذا انتبهت… وجدتها أيام خطبة أسدل عليها الستار بمجرد أن أقترن بي!!! ولا أدري لماذا؟)

  ويعد نص “قطعة شوكولاتة” واسطة عقد النصوص التي قرأتها للكاتبة من بين ما بعثته لي من نصوص، فهو نص ينتقل برشاقة بين أحداث القصة البسيطة، بين تهدئة واختزال، ويقدمها في ترميز بسيط من خلال قطعة الشوكولاتة التي تحرص طفلة على أن تأخذها من سائق الأسرة مقابل
ألم غير مفهوم، يبدو أن على القارئ ألا يتسرع بتحديد نوع هذا الألم قبل نهاية النص التي يظهر فيها سائق آخر مقابل للسائق القديم، ممثلا نزعة الخير التي لا تنفك تواجه نزعة الشر على هذه الأرض. جمال هذا النص يتركز في لغته التي تعتمد الالتقاطات السريعة الخاطفة، كما لو كان تنويعا على إيقاعات سريعة توصل رسالة جازمة للمتلقي: الخير في مواجهة الشر.

ختاما أحب أن أنوه للكاتبة عن بعض الهنات من أخطاء لغوية، وإن تكن الأخطاء اللغوية ليست مبحثا يشتغل به النقد لكنها إن زادت عن حدها المقبول أثقلت النص، وشوهت جماله، فالنص الإبداعي شرطه الجمال، ولا يكون جمال بغير سلامة وصحة.. ومن تلك الأخطاء قول الساردة في نصها “أروى” (تعدو جهة الجبل) فالفعل يعدو هنا بمعنى الجري والمشي السريع وهو يتعدى بحرف جر. وأيضا نجد عبارتها (ومتبرمة من والدي الذي اقترن بصديقتها قبل أن ينفض عن كفيّه ما علق بها من تراب قبرها..!) منقطعة عما عطفت عليه.. وفي عبارتها (كثيراً ما وقف أبي ضد علاقتها بصديقتها تلك دون مبررٍ يذكره لها .. مما أرغمها على قطع العلاقة فاستجابت له مكرهة..) تكرار لمفردة (العلاقة) مخل بالجملة، وفي عبارتها (لذا كلما غفوت على سريري رأيته معترضاً دربي فأسلك درباً أخر .. شائكاً .. متعرجاً .. لأصبح بمنأى عنه.) عطف فعل مضارع على فعل ماض. وفي نص “كهل متصابٍ” نجد عبارة (ولم يفصح لي عن سبب طلاقه لهن) الفعل طلق يتعدى إلى الفعل مباشرة بغير حرف، وفي العبارة (والأنثى بداخلي يمارس السجان في حقها الموت البطيء..) التباس كبير في اختيار المفردة الدالة، فالسجان لا يمارس الموت بل القتل، والأنثى هي التي تعاني الموت، والعبار مرتبكة جدا ومربكة في الوقت نفسه.

ربما يعجبك أيضا