التحيّز الفكري وأخلاقيات التواصل

مكة

الأحد 5 جمادى الآخرة 1435 – 06 أبريل 2014

«التحيّز (ضدّ)» كمصطلح فلسفي فكري، يؤدي كفعل نقدي للتفكير دورا إيجابيا، وقد ميزه الفلاسفة بهذا الاصطلاح عن التعصب السلبي، بأنه لا يتضمن جانبا تدميريا، بقدر ما يركز على تفحص نقدي دقيق لثغرات المنظور الآخر، من موقع شراكة حوارية، موضوعية غير مشخصنة. وهذا التفحص الدقيق يقوم على اختلاف المواقع، والأصالة والطلاقة والمرونة، التي تمثل جميعا سمات التفكير الإنساني، الباعثة على التوليد والتصحيح الذاتي. إنه استراتيجية تفكيكية تهدف لتحطيم فكرة المركزية الفكرية، التي تكرس لفكرة الصوت الواحد والفكرة الواحدة. وهو لا يشترط أن يكون الحوار فيه بين ذاتين مستقلتين، فقد يكون الحوار الفكري ذاتيا، ويكون المفكر منحازا ضد فكرة معينة، يدفعه ذلك لمراجعتها ومنافسة ذاته في تسويغها وتطويرها، وبذلك يغدو التحيز استراتيجية فكرية لا يقوم بدونها أي بناء فكري قادر على إلقاء المراجعة والتطور.
يرتبط التحيز بالتواصلية «كنظرية لأخلاقيات التواصل»، إذ يقوم الفكر بشكل جذري على التواصلية، فكل عقل هو جزء من نسيج عالمي ومحلي وتاريخي من الموروث الفكري، والممارسة الفكرية، كتابية وشفاهية، نصوصا وممارسة. والحياة الاجتماعية هي أحد مظاهر الممارسة الفكرية، وبالعكس يكون فعل التفكير في قلب فعل الحياة، فالتواصلية «كنظرية وتقنين للتواصل» هي تنظيم لحياة اجتماعية أخلاقية ومنتجة، تبني ولا تدمر. والتحيز بممارسته الإيجابية هو فعل تواصلي، وهو بهذا المعنى يتجاوز نطاق النظريات الفكرية النقدية والفلسفية، إلى ميدان الحياة الاجتماعية بمستوياتها كافة.
والتحيز يكون مثمرا جدا حين يؤديه فكر ممتلئ، بعقلية سوية، فيملأ البياضات بإضافات ونقاط إثارة لأفكار جديدة بناءة، ويبني شبكة حوارية عقلية، تثري الحوار، حين تثير التحدي لدى الطرف الآخر لمعالجة الثغرات وإعادة صياغة منظوراته. وهو (أي التحيز) حين يستعمله عقل ضيق، وتكوين نفسي غير سوي، لا يملك حساسية ليلتقط المختلف، ولا يجد ما يضيفه، فيتحول للسلبية والتدمير.
وهذا ما نلمسه في المواجهات الفكرية والاجتماعية بين التوجهات المختلفة، حيث أفضت -ولا تزال تفعل- إلى انقسامات حادة في المجتمع، بافتقادها لأخلاقيات التواصل، وتلك عوامل اشتراك يندر أن تتوافر في أي مجتمع غير المجتمع السعودي.

ربما يعجبك أيضا