الوصية


مرثية لما رحل من الشعر برحيل محمود درويش:
……..
كان يوما عابرا جدا
وكان اللحن يوميءُ للقصيدة
وهي تنفضُ هرطقاتِ الحزن من أثوابها
وتَعِنُّ لي
في وجهها خجلٌ طفولي
وفي خطواتها تتبعثرُ اللغة/ المكيدة

غصّةٌ في دمي
أتدثّرُ بالشِّعر
كي أطردَ الحزن من تحت أظفار روحي
وأمنحَها جسداً طازجاً
تنحتُ الشعرَ فيه
وأغنيةً غضةً تنتحيها من القوم
حتى يواتيَها الصبرُ
مرتهِنا بالقصيدة

القصيدةُ آيلةٌ للسقوط
ومؤذنةٌ بالتّساقط في راحة اللحن
كي يعتري غصَّةً في دمي
قبل أن يتدثّرَ بالشعر
ملتحفاً بالوصية:
“لا تنسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تُعِدّ فطورَك فكِّرْ بغيرك
وأنت تعودُ إلى البيت، بيتِك، فكِّرْ بغيرك
لا تنسَ شعبَ الخيام
وأنت تنامُ وتحصي الكواكبَ فكر بغيرك
ثَمَّة من لم يجد حيزا للمنام
وأنت تحرِّرُ نفسك بالاستعارات
فكر بغيرك
من فقدوا حقَّهم بالكلام
وأنت تفكر في الآخرين البعيدين
فكر بنفسك
قل: ليتني شمعةً في الظلام”

الوصية
يتناثرُ عنها الرماد
ليرسمَ خارطةً للقريبين
يمنحُهم في متاهات أسمائهم بوصَلة

والقريبُ من القلب
لكن ليختلسَ النبضَ منه؟
القريبُ من العين
لكن ليسلبَها نورها؟
القريبُ من القلب والعين
يرمي نذورَ العذاب على الطرقات
ويحرسُ بوابةَ الغد من طَرَقات الحياة؟

بلى
“هكذا يعرف القرب”
قال
يقاس بقدر الحزازات في حافة القلب

قريبُك
من قرّبَ الحزنَ من باب قلبك
من دلَّ عمرَ الشَّتاتِ عليك
من انتفضَ الحبُّ مختنقاً بيديه
وغادرَ وهو يشيرُ برعبٍ إليك

يسوقُ غماماً من الابتسام البريء
إليك
ويُضمِرُ غدرَك
يرشُّك بالورد ملءَ اليدين
ويثقبُ بالغدرِ صدرَك
يضمُّك محتشداً بالغبار
ويسرقُ عطرك

وطنُ الشعر غادرنا غيرَ آسف
غادر القصفَ والعزفَ والألمَ البربري
والهزائمَ تترى
وقلبَ الحقيقة طفلٌ وحيدٌ وخائف
غادر الوطنُ/الشعرُ
ودّعنا غيرَ آسف

يودِّعُنا الشِّعرُ والعطرُ والأغنيات
لا يودِّعُنا الوجعُ المستبد
ولا لذعة الكلمات

  • بين الأقواس مقطع من نص للراحل محمود درويش، بعنوان: “فكر بغيرك”.

ربما يعجبك أيضا