المسؤولية المجتمعية ورؤية 2030

http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=35925

ينبغي التأكيد على أن التوجهات التنموية لا تتناقض مع التوجهات الخيرية، ‏فكلتاهما تمثل جهودًا تطوعية لدعم المجتمع

هناك ثلاثة قطاعات – في البناء المدني الحديث للدولة- تلعب دورًا حيويًا في التنمية: وهي القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، ثم القطاع الأهلي أو المؤسسات المدنية. ويقع عبء التنمية الرئيس على القطاع الحكومي يسانده القطاع الخاص، وخلال فترة نضوج الاقتصادات تتحول الدفة من الحكومي شيئًا فشيئًا إلى نظيره الخاص، لكن القطاع الحيوي والأكثر مرونة في التنمية هو القطاع الأهلي، لأنه غير مرتبط بأهداف ربحية، ولأنه قادر على إدارة التنمية في رحاب أهداف مجتمعية خالصة بعيدًا عن المنفعة الخاصة، ذلك ما نطلق عليه «المسؤولية المجتمعية».
تطبق المسؤولية المجتمعية في الدول المتقدمة بصور عديدة، تبدأ من تقييم المؤسسات الربحية على أساس خدمتها للمجتمع، كمعيار مهم لضمان الدعم الحكومي المادي والعملي، وتتدرج في صور عديدة من تشجيع العمل التطوعي الجماعي والفردي، ومن ذلك تحويل عقوبات المدانين في جنح معينة إلى تطوع في خدمة المجتمع. ونشهد منذ زمن ما تقدمه المؤسسات الكبرى مثل سابك وأرامكو وبعض البنوك من خدمات مجتمعية، وإذا استثنينا شركات البترول التي تقيم عالميا، نجد أن قياس الخدمة المجتمعية للمؤسسات لدينا يفتقر إلى الدقة، بحيث يكاد يكون ما تقدمه تلك المؤسسات شكليا لا نشهد له أثرا تنمويا ملموسا، بالمقارنة مع ما يقدمه أفراد لديهم حس وطني عال من رجال الأعمال، والمواطنين. 
ووطننا في سعيه الحثيث لتحقيق الرؤية العالمية 2030، بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان، بحاجة لمساهمة كل فرد منا بحسب طاقاته، في عمل منظم في هذا المجال، الذي لا يزال –على أهميته- بدائيا، من حيث وعي المجتمع بطبيعته، وبأبجدياته، إذ لا يزال المجتمع يخلط بين العمل الخيري والمؤسسة المدنية الحديثة.
يمكن تعريف المسؤولية المجتمعية بأنها استشعار المجتمع حاجاته، ومسؤولياته في سد تلك الحاجات، من خلال توظيف قدراته المحلية، وتطويرها، وبذلك يشارك في سد حاجاته بشكل مستدام، اعتمادا على تنمية مستدامة لتلك القدرات، بحيث تغطي حاجات المجتمع، وتتكامل مع الدور الحكومي. وتنبع أهمية الدور التنموي للعمل المجتمعي من كونه يعمل في وسط المجتمع، القاعدة الكبرى للدولة، ويمكن – باستثمار ذلك القرب من القاعدة الاجتماعية – تقديم خدمات أفضل لسد حاجات المنتفعين‏،‏ وهو يوفر موارد جديدة وغير محدودة تضاف إلى ما ترصده الدولة للموازنات لتحقيق أهداف التنمية‏ المستدامة‏.
وأهم نتائج نجاح هذا التوجه هو التخلص من عواقب المركزية، التي تستنزف طاقات المواطن في سعيه المستمر خلف الخدمات في المدن المركزية، في حين يمكن توجيه قدراتهم واستثمارها لسد حاجاتهم في مناطقهم. إن المسؤولية المجتمعية تنتقل بالمجتمعات (خاصة في المدن الطرفية) من انتظار وصول الخدمات، أو الارتحال إليها، في معاناة لا تنتهي، إلى إنتاج تلك الخدمات في مواقعها، بواسطة المشاركة الفردية وتنظيم العمل المجتمعي، وابتكار الحلول، والشراكة الوطنية، ويضطلع القطاع الأهلي متمثلا في المؤسسات المدنية بتفعيل العمل المجتمعي. 
المشكل في المملكة أن مفهوم المؤسسات المدنية لا يزال مقتصرا غالبا على العمل الخيري، وهو اتجاه منتج، (لأنه يستثمر التوجه الخيري الكبير في مجتمعنا، من خلال مصارف الزكاة والإحسان وطبيعة المجتمع المعطاء)، لكنه الإنتاج المؤقت، القائم على الرعوية، بحيث يظل نطاق عريض من المال والنشاط المجتمعي مهدرا تقريبا في مجالات محدودة ومؤقتة النتاج. يحدث ذلك في حين يمكن تحويل هذه الموارد الكبيرة إلى التوجه التنموي، كما تمثله المؤسسات المدنية بحيث يصبح هدفها بناء المشاريع، ذات الريع المستدام، الذي يأتي من تمكين المجتمع من استثمار قدراته الذاتية، في مشاريع تنموية مستدامة. وهذا أحد محاور التحول من الرعوية إلى التنموية.
وينبغي التأكيد على أن التوجهات التنموية لا تتناقض مع التوجهات الخيرية، ‏فكلتاهما تمثل جهودًا تطوعية لدعم المجتمع، ‏إلا أن التوجه التنموي يميل إلى تأكيد مفهوم تمكين المواطن، لكي يعتمد على نفسه‏، ويتحول إلى مشاركة حقيقية منظّمة في عملية التنمية، فمساهمة كل شخص وكل تجمع مطلوبة.‏أسماء الزهراني        2017-12-11 1:49 AM

ربما يعجبك أيضا