الحرمان الشريفان أولا

الوطن

http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=36070

مؤتمر إعمار منطقة مكة المكرمة، والمعرض المصاحب له، والذي أقيم على مدى يومي 9 و10/ 3/ 1439 في مدينة جدة. تحت رعاية أمير منطقة مكرمة المكرمة، بحضور ممثلين عن الجهات المختصة والمهتمين من الإعلاميين والمراقبين، من داخل المملكة ومن خارجها، تضمن استعراضا مفصلا للمشاريع العمرانية والتنموية لمنطقة مكة المكرمة، في مختلف المجالات، في جلسات حوارية لممثلين عن تلك المشاريع.
تأسست بلادنا –منذ انطلاق الميثاق العظيم بين إمارة الدرعية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب- على أساس الدفاع عن التوحيد والذود عن حياضه، وتمكين شريعة الله في الأرض، وتبعا لذلك كان شعار كل ملوكها وقيادتها: «الحرمان أولاً»، وذلك يفسر كون النسبة الكبرى من المشاريع التنموية في البلاد تتركز في منطقة مكة المكرمة، والإنسان السعودي هو حامل هذه الأمانة إذ شرفه الله بأن يكون جارا للبيت العتيق، وهو شرف عليه أن يستحقه، وكان ذلك الهاجس الذي شغل حكام هذه البلاد، وقياداتها، حين جعلوا نصب أعينهم إعداد منطقة مكة المكرمة، بمحافظاتها ومدنها، لتحتضن أكبر عدد من قاصدي الحرمين الشريفين، بما يليق بهم، ولتكون بنموذجها الحضاري – إنسانا وعمرانا ومجتمعا ومدنية- منارة تهديهم وتوحدهم حول المنهج القويم، في اشتباك المذاهب واختلاط المناهج. افتتح الفيصل الجلسة الختامية –التي جاءت خلاصة لما سبقها وذروة لمواضيع المؤتمر- بكلمة، عكست بلاغته المعهودة، اختار فيها أن يتحدث عن المكون البشري لمنطقة مكة المكرمة، وكيف تحرص المملكة على أن يكون هذا المكون بيئة صالحة وخصبة وداعمة لنجاح الشعائر المقدسة، «الإنسان السعودي صاحب رسالة ورسالته أن يثبت للعالم أجمع أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان»، تلك كلمات أوضح فيها سموه الحكمة الأهم لشعيرتي الحج والعمرة، من حيث هما مناسبتان لتجديد العهد بقيم الدين الإنسانية، وتخليص العقيدة السمحاء مما يلحق بها من شوائب البدع والخرافات والصراعات الطائفية، على مستوى الفرد والجماعة. أوضح سموه ما يمثله إنسان هذه البلاد، بالمنهج الذي خطه مؤسسها، من قدوة حية للمسلم من كل لون وعرق، منهج يتمثل في المحافظة على الثوابت، مع الانفتاح على التقدم المدني، في خطوط متضافرة يدعم بعضها بعضا، من إمكانات مادية وقيم روحية، الهدف منها إعمار الأرض، كما استخلف الله الإنسان عليها. لقد استهدفت المملكة بناء المواطن السعودي ليقدم النموذج الوحيد والمثالي لهذا المنهج الوسطي الشمولي، تمثيلا فريدا لمزيج من التقدم المدني والرقي الروحي والفكري، وتلك خلاصة الحضارة.
ليست خدمة الحرمين خدمة بنيان إنما هي خدمة إنسان، تلك خلاصة كلمة معالي وزير الحج والأوقاف، التي أثنى فيها على مضمون كلمة سمو أمير منطقة مكة، وأكد فيها على أن أداء هذه المهمة يتعدى إدارة الحرمين الشريفين عمرانا وتنظيما للوفود، إلى أن نكون قدوة لضيوف الرحمن، وللإنسانية جمعاء، في المساواة والتآخي والتعايش بين أفراد المجتمع. لقد هيأ الله تعالى المملكة لتكون موضعا لامتزاج أعراق وثقافات وألسنة وتيارات فكرية شتى، وكان عليها مسؤولية تمهيد السبيل لتحتضن في المناسبات المقدسة أرقى نموذج للتعايش، في أرقى نموذج للحياة المدنية، في مجتمع دائم الجريان يغذي العالم ويتغذى منه.
تنتظم هذه البلاد كلها -حكومة وشعبا- لتكون جيشا في خدمة الحرمين، ولضمان تسخير الظروف الأكمل لأداء الشعائر المقدسة، وقد حرصت القيادة على تحقيق رغبات المواطنين والمقيمين في المشاركة في خدمة الحرمين الشريفين، وتنظيم هذه المشاركة لتكون أكثر أمانا وفعالية، وفي هذا السياق قدمت هيئة إعمار مكة برنامجا يهدف لتمكين المواطنين من التطوع لخدمة الحجيج والمعتمرين، سجل فيه حتى الآن أربعة آلاف مواطن، ما بين أطباء وممرضين، ومن مختلف التخصصات، ويعد برنامجا رائدا، ضمن البرامج التي تبوأت بها المملكة المركز الأول عالميا في تنظيم الحشود وتأمينها، إنفاذا لأمر الله تعالى في حماية قداسة مكة: إنسانها، وشجرها، وحيواناتها، وكل روح فيها، إذ حرّم فيها قطع الشجر والصيد والجدال، لتكون من لدن الله البيئة الأمثل لإقامة المجتمع الأمثل كما أراده المولى، ليكون قدوة حية لمجتمعات الأرض في عمران الأرض حضاريا بأمثل طريقة.
يضاف هذا البرنامج إلى باقة من المشاريع والخطط الضخمة، التي استعرضت في المؤتمر، ونوقشت بحضور عدد من الدبلوماسيين والمهتمين من خارج المملكة، –وهي إضافة تحتسب للمناسبة- ليكونوا شهودا على الجهد الذي تبذله المملكة حكومة وشعبا في خدمة الحرمين الشريفين، وتسخير المنطقة الإدارية التي تحتضنهم لتكون حاضنة حضارية راقية للأماكن المقدسة، توفر لضيوف الرحمن كل ما يحتاجونه من وسائل الراحة، لتكون رحلتهم في أداء شعائر الحج والعمرة سياحة دينية مثالية، يعرج فيها المرء صعودا لأجمل ما فطر الله عليه الروح البشرية. يخرج الحاج والمعتمر من هذه الرحلة بكيان جديد -فكرا وروحا وجسدا- وقد ضاعف حياته مئات المرات بعدد من يختلط بهم، ويتعايش معهم من ضيوف الرحمن من كل بقاع الأرض، بلغاتهم وثقافاتهم وقيمهم، لا سيما أن كل واحد منهم يأتي للبقاع المقدسة متخففاً من نوازع الحياة الدنيا، حاملا معه أجمل القيم الإنسانية التي تمثله فردا، وتمثل مجتمعه.أسماء الزهراني        2018-01-02 1:22 AM

ربما يعجبك أيضا