مسافة من شجن

لستُ أدري!
لماذا إذا انفلق الحزن عن دمعةٍ فجةٍ
تُطِلُّ ابتسامتُه من ثنايا الزِّحام؟
تتكاثف حول ابتسامته غيمةٌ
قبل أن يمطر الشجن العذب
حتى تسيلَ القلوبُ
تفيض العيونُ بأسرارها
وفي الطرقات القديمة
ذات التي خبأتنا صغاراً عن الغدر
تشتبك الأحرفُ الغضّة
المستباحة في البرد
تهتك أسوارَها الكلماتُ
فتسلبُها لثغةَ الطفل
ذاك الذي ظلّ يخلُق صورته
دونما سأمٍ
بالمناغاة
ثم بفأفأةٍ عذبةٍ
قبل أن يسلبَ العمرُ صورتَه من يديه
ويبدله ببياض الحروف سوادًا من الكلمات
لا تلحق العينُ لو جَهِدتْ مغربَيْه
فلا مشرقٌ للكلام
إذا ما تسنّمه فارس لا بصيرة له

لست أدري لماذا تطلّ….
من ظلمة الروح تشرق عيناه
تلقي جناحَي سلامٍ
فلا تتجرَّأ حتى التي تتمرد من شطحات الظلام،
على أن تقيم
وفي الأفق بردُ عيون الذي صوتُه صورةُ الطفل
ذاك الذي ظل ينفخ من دونما سأمٍ روحَه في الكلام
وحتى المواويلُ
أسلمَت الروحَ بين يديه
فما عاد ينبثق اللحنُ
إلا بضربة كفٍّ طريٍّ
تُزمزِم من جنبات التراب طقوس الحياة
فتنثَرُّ عينًا
محرمةً دون من ضيع الأحرف الأوليات ولثغتَه في الدروب العتيقة

في الدروب العتيقة
كان انبعاثي في صوته
حين يلهج بالروح
قافيةً تلو قافيةٍ
تتخلّق بين انطباقاتِ أجفانه
في انسيابٍ
كما زرقةٍ تتحدّر من راحة الفجر
يسكبها في يد البحر
حول ابتسامته، يتداعى الغمام

آه يا رحماتِ السماء!
من لي بتلك اليمين
التي إذْ تلوّح في أثر الصوت
حين يسيل غناءً
تزيح عن الروح كل غبار السنين
لتهبطَ بي في الدروب العتيقة
حيث أفتِّشُ عن لثغتي
كي أعيد كتابة وجهي
وأرسم بعض ملامح روحي
ما تبقّى من الوجه لم تلتهمه الحقيقة
الحقيقة ليست سوى حفنةٍ من ضلالات ذاك الصبيّ
المحلّقِ في أثر الصوت
تلك القصور من الرمل
ليس يحيط بها أي سور
تلك القصور، من الرمل
باقية وحدها
والفراشات
والطائرات من الورق المزدهي
وحدها لن يغادرها ظلها

صباحكَ من شجنٍ
يا ختامَ البداية من قصة الفجر
يا لهجةَ الذكريات العِذاب…
صباحك أَمْسِي الجميل
الذي خطَرَتْ عبره الروحُ
بين يدي بركاتكَ يا بهجتي..
… وأبي !!
أتوسل باسمك للحزن أن يتوارى قليلا
، ويمنحَني بعضَ صوتي
لأشترعَ اللحن
يحملني في السواد إلى شمعة بيمينك
أعرف سيماءها
حين ضخَّتْ بخارطة الروح نفحَ الحياة..
هل ستذكرني يا أبي؟
حين مدّتْ يمينُك لي قصباتٍ أحاطتْ بقلبي في لُجج الموت
أسرجَت الليلَ من حول يأسي؟
يوم رحتَ تشيح بكفيكَ عن وجهي الليلَ والحزنَ
والكلمات التي كالخناجر؟
أتذكرُني يوم يقتاتني الخوفُ؟
يوم ألوذُ بحبك؟
أحتمي في ظلالك مني
من الخوف
من طَرَقات الظلام على باب قلبي؟

يا رحماتِ السماء!!
من لي بمنسأةٍ يتسنّمها الوقت
منشغلاً عن خُطانا معاً في الدروب العتيقة
نجمع ما يتحدّر من نغنغاتٍ
لنرسم بعضَ حكاياتنا
قبل أن تتنبّه قافلةُ الكلمات الجياع
لما امتدّ من جسد المنسأة
قبل أن يسقط الزمنُ المنكفي فوق أحلامنا
تتناثر أشلاؤها في الفراغ
بلا أي معنى سوى الحزن
يا رحمات السماء!!
امنحيني من الحزن بعض المسافة

أملؤها بالشجن
لتصافحني من ثنايا الزحام، ابتسامته
تتكاثف من حولها غيمة من سلام
فيفيض الكلام

ربما يعجبك أيضا