لا عزاء لخريجي كليات المعلمين

لم أتخيل مدى الإحساس المر الذي ملأه حتى مسامات جلده،  بل رأيته بنفسي حين شاهدته يقرأ في موقع شركة كبرى،  في صفحة الفرص الوظيفية،  استثناء خريجي الكلية التي تخرج منها،  كلية إعداد المعلمين وحدهم،  ومنعهم من الحصول على فرصة لصنع مستقبل ما. . كنت – وليسمح لي قارئي بالحديث عن نفسي للحظات – قد اعتدت التجول بين ردهات الجامعات والكليات،  وصفق الأبواب في وجهي،   أحمل في يدي خيبة كبيرة،  وفي اليد الأخرى وثائق يكاد يعفو عليها الزمن،  بحثا عن فرصة تحقق لي حلمي الذي قضيت من أجل تحقيقه أجمل سنوات العمر في الدراسة والبحث،  وفي كل مرة أسمع الكلمات نفسها،  وتقابلني الدهشة ذاتها،  مع شهقة أنثوية تتبدل النغمات فيها ولا يتبدل المضمون،  سؤال يقذفه الجميع في وجهي،  وكأني المسؤولة،  معقول تحملين شهادة الماجستير ولم يتم توظيفك للان ؟ ثم اعتذار لطيف ومتصنع،  ” حاليا لا نحتاج،  سنتصل بك حين نحتاج “،  وتمر السنين ولا أحد يحتاج،  سواي أنا،  لشيء من التقدير والإنصاف. ..

ولم يكن في ذهني أن هناك أغرب من مشكلتي مع الوظيفة،  حتى سمعت ورأيت مشكلة قريبي المتخرج حديثا من كلية إعداد المعلمين بجدة،  فقد علمت منه أن خريجي الكلية يوقعون تعهدا بعدم السعي للعمل خارج نطاق وزارة التربية،  ومن يسمع بتعهد كهذا يظن أن الوظائف في وزارة التربية كثيرة وفائضة،  ونحن نعرف أن العكس تماما هو الحاصل.  من هنا أجد هذا القرار عجيبا جدا،  فإذا كانت الوزارة لا تملك الرزق،  فلا يعقل أن تمنعه،   لكن الأعجب،  أن ترفض بعض الجهات الأخرى استقبال خريجي هذه الكلية،  وتستثنيهم،   ولا ادري إن كان ذلك احتراما لقرار الوزارة،  أو هو فرصة للتعنت والمزيد من التخلي عن المسؤولية الوطنية تجاه الشباب العاطل الباحث عن المستقبل. وقد نفهم أن كلية إعداد المعلمين تعد الخريج لمهنة التعليم، لكن هل يعني هذا أن الإعداد الذي تقدمه الكلية أقل من مستوى الخوض في أي مهنة ملائمة للتخصص،  والنجاح والإبداع فيها؟  وهل هو اعتراف من الكلية بعدم كفاءة خريجيها أو هشاشة تأهيلهم؟

مثل هذه القرارات قد تفسر نوعا ما التزايد في حجم البطالة،  مع انفتاح سوق العمل،  وتعدد التخصصات وتنوعها.  وهي تحمل في داخلها الكثير من التناقض الذي تصحبه سخرية وتلاعب بالوقائع،  لكنها حين نراجعها في ضوء الواقع والمشاهد،  لن نجدها غريبة على كثير من مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية،  التي تعج بالفوضى الإدارية،  إن تجنبنا مصطلح الفساد.  ويحضرني الآن مقال للأستاذ عبده خال،  تحدث فيه عن إعلانات الجهات الحكومية عن الوظائف المتوفرة،  وتأتي عادة بالآلاف،  ترسم بالبنط العريض،  أليس هذا نوعا من السخرية بأحلام عقول تراقب بفزع مستقبلها على كف عفريت بل عفاريت الوزارات وديوان الخدمة ووزارة العمل ؟

كثير من التنظيم الداخلي والغربلة وتطهير مصادر الفوضى،  تحتاجه مؤسساتنا،  إلى جانب الرقابة الذاتية والخارجية،  ليوضع الشيء في مكانه،  والأمور في نصابها الصحيح، وذلك من شأنه القضاء على البطالة المقنعة،  التي تكدس الأجساد في مواقع لا تحتاجها وتصرف عليها من ميزانية المؤسسة،  بينما الخبرات والكفاءات تظل في الهامش معطلة لا يستفاد منها.

ربما يعجبك أيضا