“آمال المعلمي” دبلوماسية التمثيل الإعلامي

تحدثت في مقال قديم عن اللغة والجمل المفخخة التي تستعمل لترويج أفكار معينة، أو لإثارة البلبلة والشغب الفارغ، وأعني بهذا ما يسميه بعضهم خطأ بـ”الحوار”، قياسا خاطئا على الحوار البنّاء القائم على الاختلاف المثمر.

 ومن تلك الجمل المفخخة “المرأة السعودية في الإعلام”، فهي جملة تحمل مفهومين، كل واحد منهما مشحون بعدد من الدلالات والإحالات، أولهما: الإعلام أداةً محايدةً، وثانيهما: المرأة أو الرجل السعوديين، بما يحيل إليه النعت من محمولات تتعلق بالهوية، لا سيما المرأة، كيف يمكن الجمع بينهما (أولا وثانيا) في منطقة وجودية متحركة واحدة، من دون أن يفقد أي واحد منهما شكله وشروط وجوده؟

هذا هو التحدي الذي كان على أول وزارة للإعلام في المملكة مواجهته، وقد نجحت في البدايات نجاحا ملحوظا، لكن التغيرات والتطورات التي طرأت على البيئة المحلية، والتي فرضت عليها الاتصال بجهات الأرض الثمانية، تلك الشروط الاتصالية تجعل من المستحيل على أي كيان ثقافي أن يعيش في عزلة عن الكيانات الأخرى التي تشكل العالم/ القرية الواحدة، عبر القنوات الفضائية ووسائل الاتصال المرئي والمسموع، ومن ثمّ فالتحدي يتضاعف كل دقيقة بتطور وسائل التواصل!

كان للإعلام دوره في التحولات الاجتماعية بتدرجاتها، لكن ما أتحدث عنه الآن هو دوره في تمثيل هذه التحولات للعالم الخارجي. يحدث ذلك بواسطة شكل الحضور الإعلامي السعودي في الفضاء الإعلامي، والمسافة التي يختارها بين الاحتفاظ بقيم تكونت في بيئة ثقافية محلية، أو التجرد منها ثمنا للحصول على حق الوجود لدى الآخر، يزيد الأمر تعقيدا إن تذكرنا العامل الذاتي الفردي للمتحدث، بواسطته فردا يمثل مجتمعا خليطا من تيارات متعددة، ووجهات نظر مختلفة، قد يختلف مع بعضها.

الإعلام اليوم هو الوجه الآخر للسياسة، كلاهما مراوغ، وتحكمه المصلحة أكثر من القيم، ويجد كثيرون أنفسهم مضطرين للاختيار من بين الجانبين، ما يؤدي بهم لخسارة الآخر. يتطلب تفادي الخسارة مستوى معينا من الذكاء، ومزيجا خاصا من الثقافة، والنباهة، وسرعة البديهة، يمتزج ما سبق برصيد لغوي قادر على تمثيل كل ذلك، ودعمه بالمعجم الملائم. ذلك ما وجده المشاهد العربي للسيدة “آمال المعلمي”، في لقائها على قناة “فرنسا24″، حين أراد المحاور وضعها في خانة المدافع عن تهمة، فكشفت سوأة التحيز الإعلامي، والحشد ضد المملكة، حتى في أكثر القنوات ادعاء للحياد (وليس من بينها القناة المعنية). لقد عكست الموقف فوضعته في موضع المتخلف عن استراتيجيات الحوار، في محاولاته المستميتة التصغير من تاريخ المملكة ومنجزها الحضاري، واختصاره فيما وصفته الدكتورة آمال بـ”حبة الكرز على قالب الكيك”.

بكل الطرق ومن كل الجهات حاول المحاور إحراج ضيفته لتصدق على الصورة المشوهة التي يرسمها لبلادها، ومن دون خجل حاول ترسيخ صورة متخلفة للمملكة لحد فرض قيم مجتمعه المحلي قدوة ونموذجا لها! لكنها امتلكت زمام الحوار، واستطاعت أن تمثل –بحنكتها في الحوار، وخبرتها في سنن الحضارة- صورة واقعية للمملكة الحديثة، التي تتعايش فيها الثقافات، وتتفاعل التوجهات، بإشراف من القيادة، وحفظ لحقوق الجميع في التعبير عن مواقفهم. لقد أظهرت المتحدثة المملكة -على حقيقتها- نموذجا يحتذى (لمن شاء)، في التقدم والنماء الثقافي والاجتماعي، انطلاقا من هويتها، دون تعارض بين الخصوصية والتقدم الحضاري. وتَبيّن للمشاهد أن التبعية لإملاءات الآخر، والانسلاخ من الهوية لصالح هوية أخرى، ليست معيارا منطقيا للتقدم.

لم تتدخل المملكة يوما في أي دولة أخرى، ولم تفرض على الآخر ثقافتها، بل تقبلت كل الطوائف والانتماءات على أرضها بحب، ورحابة صدر، لكن الآخرين جعلوها هدفا لطعنات من القريب قبل البعيد، في سعي حثيث للنيل من مكانتها في قيادة العالمين العربي والإسلامي، كان الإعلام هو سلاحه، وخصوصيتها الثقافية نقاطا للاستهداف.  واستمعنا إلى إعلاميين يستنهضون القوى السياسية المهيمنة في العالم للتدخل في شؤون وطننا الداخلية، مستخدمين المنابر الإعلامية لبث احتقاناتهم الشخصية على الهواء. وفي زمن سلاحه الأمضى هو الإعلام علينا أن نضاعف إمكاناتنا في توظيف هذا السلاح، ونضاعف طاقاتنا في التمثيل الإعلامي –كمّا ونوعا- تمثيلا دبلوماسيا، وفي الحوارات على أكثر القنوات انتشارا. ولعلنا نكتشف هذه الطاقات في مثل الحوار الذي قدم لنا المتحدثة الذكية، القادرة على كسب أي حوار لصالح من تمثله المتحدثة والمحاورة الماهرة، السيدة آمال المعلمي.

ربما يعجبك أيضا