رماد


في الجوار بيت يوسم بالبؤس لأن سجّاده لم يحظ بكفوف امرأة تنفض عنه ما يتساقط من أعقاب السجائر من حكايات ، ولأن جدرانه لم تشهد ذبول عمر في قنينة روتين منسية ، على طاولة انتظار في المسافة القصيرة بين المطبخ وصالة استقبال الضيوف .. وفي المقهى المجاور ينسج العشاق لحبيباتهم أجمل طموح يمكن أن تحلم به إحداهن : أن تكون وحدها .. يا للفوز .. وحدها من يهتم بأشيائه الصغيرة .. وحدها .. يا للشفافية .. تعرف عدد جواربه ومقاسات قمصانه .. وحدها .. وحدها من ينتظر فراغه من كوب قهوته لتختم آخر طقوس الحب على طاولة المطبخ . ووحدها أيضا من يستحق شرف مناولته حقيبة أوراقه ليكمل نعاسه على مكتب أنيق ، قبل أن تتفرغ هي لجمع ما تناثر من أوراقها واللحاق بسائق الجيران ليقذفها في وجه مدرستها كل صباح ..
في الجوار بيت يوسم بالبؤس لأنه خالٍ من امرأة .. وبين جدران بيتنا الليلة امرأة خالية إلا من هاجس اقتراف الكتابة .. وقلمها الرصاص يفزعه شبح الفناء السريع .. تفاجؤها ضحكات الغُيّاب بين كل سطرين ، ومع كل كلمة تقاطعها أسئلة الصغار فتجدها بلا شعور تلفظ معنى المفردة قبل رسمها .. وهي تتجاوز مطبات الحنين ، وتتخم الليالي برائحة الشاي الأخضر .. تنظِّم انثيال أكداس الخواطر ، قبل أن ينبلج الفجر عن الصغيرين وقد عادا مع والدهما من زيارة قصيرة لجديهما ..
امرأة تراقب من حولها احتفالية الأشياء بامتشاق امرأة صهوة القلم ، لتشترع وجودا تتنفس فيه الأشياء .. كل الأشياء معا .. فناجين القهوة العربية السمراء ترقص على موسيقى أطباق الطقم الصيني الناصع البياض .. إبريق حكيم يخطط مع منفضة غبار رشيقة لنسج طريق حب بين الجميلة الأسيرة والوحش .. والجميلة وحدها تنام نومتها الأبدية دون أن تنتظر أن يوقظها أمير مسحور ، وقد يئست من أن تخبئ وحوش الواقع في صدورها أية أمراء ..

ربما يعجبك أيضا