رسالة


تسألني عن حزمة الأوراق في يدي ؟ هي حياتي مبعثرة على صفحات .. عنونتها بـ”رسالة” … ولم أدر لمن سأبعثها .. اقتنيت قبلها كتابا عن كيفية التعامل مع صدمات الحياة ، في الواقع لم أقتنه فورا ، بل كان عندي من زمن صدمة قديمة ، ولم أفتحه يوما .. كنت دائما أجد وهما أتعلق به .. هذه المرة لا أنوي زيارة أرض الأوهام .. ولم يلوح لي أحدها بخلاف كل مرة ..
لم أكن أنوي تسطير قصتي ، أو بالأحرى أي من قصصي .. كنت أتمنى لو أتقن الرسم ، وحده الرسم يمكن أن يستوعب تناقضات حياتي .. والرسالة !! أظن الحروف الثمانية وعشرين لا تكفي لتشكيل ما يكفي من الكلمات …..ولذلك .. لن يكون شيئا أبلغ منك أنت لتكون الرسالة.. سأغلفك في شيء يليق بك ، وأتركك أبلغ ما تكون الرسائل …
…………..
ماذا يسمونه في علم النفس ؟ التحرش ؟ القتل ؟ أو لنقل المحو الجنسي .. محو الإنسانية .. قتل الإنسان فيك .. قبله : أنت طفل طبيعي ، يصحو متلهفا لكوب الحليب والبسكويت الساخن _ لا تزال رائحة البسكويت الذي تصنعه أمي في الصباح ملتصقة بثيابي .. كنت أحب نكهة البيض ، وأخوتي لا يحبونها ، فكانت تصنع لي نصيبي وحدي _ طفل يقضي الصباح كله منتظرا الحلقة الجديدة من غرندايزر ..
بعده : … لم يعد غرندايزر عندك سوى تلذذ بانفجار جسد بالدماء .. تناثر الأعضاء .. وروائح الحريق .. الليل مطاردة لا تنتهي .. الذاكرة مغلقة على رائحة نتن لا تعرف مصدرها..
………
في طفولتي المتأخرة كنت محموما بالنظافة ، تصيبني ساعات توتر رهيبة لأدنى مظهر فوضى .. فأقضي ساعات تحت الماء .. أسمع صوته وأحرص على أن يكون صاخبا .. أصوات بدأت تتعالى في رأسي .. لا أستطيع تمييز ما تقول .. أحيانا تردد جملة معينة بدون توقف .. تتنمل أطرافي من شدة توتري من الأصوات
……………..
وقبل أن تغمض عينيك للأبد .. سأخبرك ، كيف اكتشفت قصتي وأنا أصلا لم تسجلها ذاكرتي ؟ حدث ذلك في إحدى جلسات العلاج ، وأنا رجل ناضج .. ناضج بالقدر الذي يختصر وجودي كله في وهم واحد كبير ، اسمه الكرامة .. ووهم أكبر قليلا منه وأشد غموضا ، اسمه الشرف .. كنت أحكي حلما يطاردني منذ كنت في السادسة من عمري .. لم تتغير تفاصيله .. بينما أنا أحكي ، نهضت الحادثة من رقدتها .. قامت بكل بشاعتها واتخذت مقعدا في مواجهتي .. تعرفت إليها حينئذ .. كانت مختبئة عني كل ذاك العمر …. فجأة انفجرت بها ذاكرتي ..
الرائـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة المكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة عمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا
.. اندلقت على أرض الغرفة يومها .. حتى المعالجة النفسية لم تتحملها .. انزوت في ركن الغرفة تبكي .. لعل لها هي أيضا قصتها .. من يدري ؟ وفي صباح الليلة التي سحقتني ثوانيها بكل تفاصيلي .. كنت قد حددت العنوان .. واخترت التوقيع ..
……..
قصص كثيرة أخرى تلت تلك القصة .. مثلما هو قدر الإنسان .. كثيرة هي الأدوار التي لعبتها .. بطلا مرة ، وكومبارس مرات … لكن أيا منها لم يستطع زحزحة تلك القصة ، أو حتى خلخلة حبكتها ولو قليلا .. وها نحن ذا .. نتبادل الأدوار .. أرسلتني ذات يوم للمنفى .. وأرسلك اليوم ثورة صارخة على المنافي ..

ربما يعجبك أيضا