التسامح وحكمة البدايات

مكة

السبت 16 ذو الحجة 1435 – 11 أكتوبر 2014

“عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟!”، يظل معظمنا يردد هذا البيت من الشعر، في كل عام، بينه وبين نفسه، وهو ينطبق بدوره على تتابع أزماتنا الفردية والاجتماعية، حتى خلع لبوسه الفني، وغدا عبارة من عباراتنا المستهلكة! عبارة تُرص إلى جانب أخواتها في قاموس ضخم من مفردات السلبية والاستسلام.

وفي هذا العيد قررت أن أقول لنفسي: لن يعود ما مضى، وسأفتح ذراعي لهبات الرحمن، التي ينبغي ألا نحصرها في حرمان من نعمة، نرفل في مئات غيرها. ولعل من حكمة الله البالغة، أن يسبق هذا العيد يوم تحقيق الأمنيات، خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم عرفة في يوم جمعة، حيث يستقبل الله تعالى الحاجات، ويمحو الزلات، ويفتح السموات لمنح البدايات الجديدة.
ولعل البدايات الجديدة ترتبط بالتعامل الحكيم مع الماضي، والتسامح هو الحكمة الكبرى التي عرفها الإنسان، فهو يحررنا من أثقال كثيرة، لنسير بخفة في الدروب الصحيحة. وهو يخمد معاركنا الداخلية مع أنفسنا، ويتيح لنا فرصة التوقف عن مراكمة الغضب، ولوم الذات، وبالتسامح وحده يمكننا في النهاية ممارسة الإحساس الحقيقي بالحب.
التسامح هو أفضل علاج للروح على الإطلاق، يسمح لنا بأن نشعر بالترابط، أحدنا بالآخر، وبكل موجودات الكون حولنا، وللتسامح قدرة على علاج حياتنا الداخلية والخارجية، فبوسعه أن يغير من الطريقة التي نرى بها أنفسنا والآخرين، والعالم، فهو ينهي بصفة قاطعة وللأبد الصراعات الداخلية التي يعاني منها كثيرون، وتعيق مسيرة حياتهم كل لحظة وكل يوم. وسيتسمر التسامح روح العلوم التي تدرسها مراكز العلاج السلوكي، لأنه يمنح الناس التحرر المطلوب لمواجهة أصعب المواقف.
وحري بنا إذ يسلمنا هذا العيد لعام جديد أن نحرر نظرتنا إلى ذواتنا في الماضي، ونتقبلها بحب، قبل أن نسلمها لمستقبل أجمل، قد تطهر من ذنوب عام مضى، ليبني عاما جديدا ملؤه الفأل الحسن، مرددين: “إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.

ربما يعجبك أيضا