عكاظ 2008
قبل أيام ، انتهت فعاليات القمة العربية التي عقدت في عاصمتنا الحبيبة الرياض ، وإن كان صدى تلك الفعاليات لا ينفك آخذا في الامتداد والتردد . ” قمة الرياض أعد لها إعداداً جيداً، وهيئت لها الأجواء بشكل فريد، وسبقتها دعوة مخلصة لكل دولة بالحضور والمشاركة. واخليت الشوارع والميادين من الزحام ومنغصات التحرك وكان الإعداد لها -كما شهد بذلك الحاضرون والمراقبون- فريداً ومحكماً “. وقد تبنت قمة الرياض العديد من القرارات الحكيمة ، لعلاج كثير من الأزمات العربية القائمة ، لكن أهم ما يميزها أنها استوعبت جيدا أن مصير الأمة متعلق ومعقود بعلاقاتها الداخلية والخارجية ، ولهذا فإن حضور محور ” العلاقة بالآخر ” ، كان الطاغي على ما سواه من القضايا ، لأنه هو المحرك لها . وفي هذا السياق ، جاء تناول القمة الصراع العربي- العربي، والعربي- الإسرائيلي، والفلسطيني- الإسرائيلي، والفلسطيني- الفلسطيني ، بمزيد من العمق والمرونة ، واتساع زوايا الرؤية .
ان اهم أشكال حضور الاخر في حياتنا يتمثل في الاختلاف ، فالاختلاف سنة كونية وحكمة إلهية ، تتجسد في انقسامنا الى اجناس مختلفة ، لا نهائية في تنوعها ، على تخومها تتحدد الهويات والماهيات ، وتتخذ الأشياء صورتها والجواهر هياكلها ، حيث تعتبر العلاقة بالآخر أحد محركات صيرورة تشكل الهوية، الفردية والجمعية ، حتى ليمكن القول أن لا هوية دون الآخر. “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” ، لكن هذا الاختلاف الغرض منه التكامل والتنوع لا التصادم ، “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض” ، هذه البديهة التي كثيرا ما نكررها ، لا زال هناك من يرفضها ويمارس امتهانها كل مرة بحجة مختلفة ، هذا ما تفعله النزاعات الأهلية ، والحروب الطائفية ، وحتى التعديات الفردية تحت راية العنف بكل صوره ، خاصة الجسدي والفكري .
ومما يندرج ضمن هذا المحور ، ما يحدث في أرجاء العالم مما ينضوي تحت مصطلح الارهاب ، من أحداث دامية ، يذهب ضحيتها مزيد من الأبرياء كل يوم ، خاصة في عالمنا الاسلامي ، وها نحن نتابع في العراق ضحايا التفجيرات بالعشرات كل يوم ، وهو أمر ينبغي الوقوف أمامه ، ومواجهته بحزم وتبصر ، لا سيما وأن أطراف النزاع اشتبكت ، ولم يعد واضحا من ضد من ، فهناك النزاعات الطائفية ، وهناك حسابات بين الطوائف المختلفة والجهاز الحكومي . وفي لبنان عانينا عقودا من آثار الحرب الأهلية ، التي راح ضحيتها شباب وأطفال ، وثروة بشرية لا تقدر بثمن ، أما في فلسطين ، فقد انشغل الأخوة بالتنازع والخلاف ، عن قضايهم المصيرية ومصيرهم المشترك.
حاولت قمة الرياض استيعاب هذا المحور ، وإشباعه بالنقاش والحلول المختلفة ، ووجهات النظر المتنوعة ، يبقى أن يتم تفعيل ما تم اتخاذه في القمة من قرارات ورؤى ، على المستوى الدولي ، لكن محور العلاقة بالآخر يظل بحاجة لمعالجة جذرية ، تقوم على تأسيس فكري ، يبدأ من المناهج الدراسية ، وحواراتنا العائلية على مرأى من أطفالنا ، ومسمع منهم ، ولا ينتهي بممارساتنا لأدبيات الحوار وأخلاقيات الاختلاف ، لنكون قدوة للأجيال القادمة ، ومرآة لها .