عكاظ 2008
التقنية في حياتنا أصبحت ضرورة ،ولم تعد من أبواب الرفاهية والكماليات ، بل هي تدخل في تدوير عجلة الحياة ، في مناشطها الرئيسية ، من أدق شؤون حياتنا اليومية ، الى أعلى وأوسع الأنشطة السياسية . غير أن القفزة التقنية التي عاشتها المنطقة ، كانت من السرعة بحيث كثرت ثغراتها وعثراتها ، وحين نقول قفزة فنحن لا نستعين بالمجاز ، وإنما نحاول أن نصف ما يحدث بأدق ما يمكن . فعلى سبيل المثال ، وفي بضع سنوات منذ دخول شبكة الانترنت ، أصبح لا يخلو منزل من جهاز أو أكثر متصل بالانترنت ، يضخ ويستقبل ، ويساهم في هذا الكم الهائل من فيض المعلومات ، وفيضانها .
وغالبا ما يكون الهدف المقصود من استعمال وسائل التقنية ، كما في صنعها وتصميمها ابتداءً ، التسهيل والتيسير لشؤون الحياة ، واكثر ما يتجلى التيسير في عامل السرعة ، لكن ماذا إذا انقلب الغرض من التقنية رأسا على عقب ، وصارت سببا للتعطيل وإعاقة الأمور ، يصعب تخيل هذا ، لكنه يحدث ، مثلا حين يذهب الشخص لاستلام بطاقة بنكية ، بنفسه من الفرع البنكي القريب منه ، فيقال له عد للمنزل أدراجك لتأتيك البطاقة بالبريد ، وعلى العكس من هذا ، في الاتصال النتي ، كثيرا ما يشكو المتداولون للأسهم مثلا بسبب تعثر الاتصال ، مما يوقعهم في حرج عظيم بسبب اختلاط حساباتهم ، وصعوبة إعادة موازنتها ، إلا بمراجعة المصارف شخصيا ، والدخول في معاملات معقدة .
و حين يفرض عليك سداد فاتورة الهاتف بالصراف الآلي ، فيتأخر وصولها وتتعطل الخدمة في هاتفك ، ولا يكون متاحا التسديد يدويا ، فتخرج من أمام موظف الاتصالات ، لتبحث عن صراف آلي. الأصعب من هذا أن تجد الصرافات جميعا معطلة ، بسبب عطل في الشبكة ، إذ عليك الانتظار ساعتها لحين يصلح العطل في الشبكة ،والشبكة المصرفية هنا مثال على الدور السلبي الذي تلعبه التقنية حين يساء استخدامها ، فبدلا من تعطل صراف واحد ، تتعطل صرافات عشرة مصارف أو أكثر بسبب انضمامها في شبكة واحدة . وهكذا ، هناك أشياء التقنية فيها غير عملية ، أو على الأقل لا يجوز الاعتماد عليها وحدها .
ومن الطريف ان ينقلب الحال ، فتضطر الى التعامل يدويا ، في معاملات ، قابلة ، بل بحاجة لان تحل تقنيا ، فحين يحدث خطأ ، ويسحب البنك تلقائيا من حسابك المصرفي ، مثلا ، يطلب منك أنت تصحيح الخطأ الذي اقترفته الآلة ، بحضورك شخصيا والدخول في معاملة تطول ولا تقصر ، يدوية هذه المرة ، وهنا تتحول التقنية إلى مجرد وسيلة لتعثر المعاملات ، لا تيسيرها .
وأحيانا تتخذ التقنية شكلا سطحيا ، حين تكون مجرد وسيلة للمباهاة والتفاخر ، كما يحدث في حمى اقتناء الجوالات الذكية ، التي تعمل بتقنية الانترنت ، دون أن يكون لها حاجة حقيقية ، أو حتى دون ان يكون لمقتنيها معرفة باستخدامها ، فأنت تجدها في أيدي الأطفال وربات المنازل الأميات تقنيا . هل هو إشكال ثقافي إذن ؟ نحن بحاجة لثقافة تقنية ، تمنعنا من استعمالها بشكل عشوائي ، ثقافة تجعل من التقنية ، وسيلة عملية بمعنى أن يكون هناك غايات محددة من استعمالها ، وليست مجرد ديكور شكلي للفرد أو للجهة التي تستعملها ، وسيلة عملية ، يفترض أن تحقق أهداف مستعمليها ، لا أن تعيقها .