مقبرة السامر.. براءة المذنب وغفلة الرقيب

مقبرة السامر.. براءة المذنب وغفلة الرقيب – أخبار السعودية | صحيفة عكاظ 2008 https://www.okaz.com.sa/article/149676/مقبرة-السامر-براءة-المذنب-وغفلة-الرقيب

قرأت منذ أيام لأحد الزملاء، مقالا يتساءل فيه عن انعدام الوعي المروري وأسبابه، وهو سؤال عميق وواقعي في ظل قانون منح الرخص المتساهل لدينا، وتصاريح القيادة لسن مبكرة جدا، وفي ظل تفاقم ضحايا الحوادث بما يساوي ضحايا الحروب ويزيد عليها في بعض البلدان. لكن هل الوعي المروري يقتصر على عملية القيادة وحدها؟ أم أنه يشمل كل ظروف هذه العملية وملابساتها؟ حال الطريق مثلا ، وصلاحية السيارات ومطابقتها لشروط السلامة. وحين يحدث حادث مروري، يهرع رجال المرور للحادث، ويتم حساب الأخطاء، وسؤال الشهود، وتقسيم الخطأ على السائقين وعادة ما يدفعون الثمن كاملا، وهو إجراء رادع ، لولا أنه يغفل جزءا مهما من ظروف الحادثة، وأحيانا يتم إغفال المذنب الأساسي فيها، فلا يلتفت رجال المرور لوضع الطريق، ولا يتم محاسبة المسؤول الحقيقي في كثير من الحوادث.

الشاهد على هذا يحضرني من واقع لمسته، ففي أحد شوارع شرق مدينة جدة، يشهد الجميع على مصرع خمسة أشخاص خلال شهور معدودة، في موقع تحتل وسطه الحفر بوقاحة، وفي كل مرة يغادر رجال المرور الموقع من دون أن يضعوا في الحسبان ومسؤولية تلك الحفر في الحوادث، وهو أمر يدعو للاستغراب، فرجل المرور موظف مسؤول ومراقب أساسي في الحوادث المرورية، ومن المفترض أن حياة خمسة أرواح تستحق الملاحظة والالتفات والوقوف والتساؤل فضلا عن المحاسبة.
وهذه خطوة تقودنا للمسؤول الأول في الموضوع، فشوارع شرق جدة وأحياء مثل السامر، والأجواد، ومخططات أبرق الرغامة وشرق الخط السريع لم يتغير حالها منذ عشر سنوات وأكثر، أي منذ كانت مصممة لاستيعاب عدد محدود من السيارات، وحتى أصبحت الآن مختنقة بالسيارات بعد اكتظاظ الأحياء بالسكان وامتدادها لمساحات واسعة. شوارع مفتوحة على اتجاهات لا حدود لها، بلا أرصفة, وباسفلت مهشم ومليء بالحفر, ومع هذا لا زالت ذاكرة البلدية تحتفظ بصور قديمة لها على أنها جديدة وناشئة.
هل هو غياب الصيانة والمتابعة؟ أم هو غياب التخطيط أصلا؟ فهذه الأحياء مؤهلة منذ البداية لتتسع وتنمو، وهذا ما حدث، ومع ذلك تقبلت البلدية وضع شوارعها وتصميمها العشوائي منذ البداية، ولم تفكر في تغييره ووضع خطة لإصلاحه. فكم من البشر يفترض أن يموتوا حتى تلتفت البلدية لوضع هذه الشوارع؟
نظرة واحدة لمدخل شارع كبير يفضي إلى الخط السريع مباشرة، وتمشي السيارات فيه في كل الاتجاهات وتنجو بمعجزات يومية ولا يحكم سيرها غير قانون الصدفة وحده، نظرة واحدة تكفي ليتأكد المرور أن الخطأ على الشارع وليس على السائق الذي لن يحميه وعيه المروري ولا نضجه من وضع مرتبك يواجهه يوميا على مدار الساعة، ولا يفترض أنه في كل مرة ستسلم الجرة. شارع سمحت البلدية بأن تفتح فيه فروع كبرى لمحلات معروفة باستقطاب الزبائن. كل هذا ولا تعترف البلدية بأنه شارع رئيسي يستحق المزيد من العناية والتخطيط،. وهو وضع كثير من الشوارع المفضية إلى الخط السريع والمتصلة بأحياء كانت جديدة يوما ما.
وإذ يظل المذنب طليقا ليلتهم المزيد من الأعمار على فوهات السكك والشوارع، يحظى بمزيد من الانفلات في مشاهد جاهزة تشف عن الوضع القانوني وملابساته في أي مكان، ويمكن قياس دقة القوانين وتنفيذها بدقة من خلالها، اعتمادا على كثرتها وتكرارها بسيناريوهات مختلفة لا يجمع بينها سوى فوضى القوانين وعدم وجود مراجع واضحة لها.

وما حدث مؤخرا في حادث في حي السامر راح ضحيته عامل هندي، يعطي صورة غير مرضية عن هذا الوضع، الذي يفترض أنه يتماشى مع العناية المتزايدة واليقظة التي نعيشها في مجال حقوق الإنسان، فعلى الرغم من وجود الحفرة في وسط الشارع وتسببها المباشر في الحادث، يتم إغفالها تماما من قبل رجال المرور، وحساب الخطأ كاملا على السائق، والأكثر من ذلك يحرص المرور على اقتياد السائق الشاب المصاب للتوقيف من دون النظر ولا التساؤل حول وضعه الصحي، فمن المسؤول عن أي مضاعفات صحية قد يتعرض لها، والتي قد تتمثل في نزيف داخلي لم يشهده رجل المرور بعينه الثاقبة؟ وحين يصر الأهل على فحص الابن المصاب بخدوش ظاهرة ورضوض كثيرة، يكتفي المرور بكونه لا ينزف، ويتجاهل اللفافات التي تغطي جسمه ويدخله دار الملاحظة لوقت سيطول حتى انتهاء العطلة الرسمية، دون قبول أي كفالة وتعهد للتحفظ عليه لمحاسبته في الوقت المناسب لحالته الصحية. وترفض دار الملاحظة استقباله نظرا لوضعه الصحي غير المريح, ليجره رجال المرور لفحص جديد يثبت انعدام الخطر على حياته، أما وضعه النفسي في اليومين المهدرين باسم العطلة الرسمية، فلا أهمية له. وهما يومان غير محتسبين من ملابسات القضية التي يفترض أن يراعى عدم انقطاع مباشرتها وأن يتم التكيف مع وضعها الزمني بطريقة ما. كما يفترض أن يتم قبول الخروج بكفالة مهما كانت، لا سيما وأن القضية لا تتعلق بقتل متعمد ولا جنحة أو جريمة.
في الأفلام الغربية نشاهد أن أول ما يفعله رجل القانون حين يعتقل مذنبا أن يتلو عليه حقوقه، فما هي حقوق المتهم البريء حتى تثبت إدانته؟ وبأي طريقة يعبر رجل القانون لدينا عن وعيه بهذه الحقوق؟ هل يمثل اقتياد المصاب وتوقيفه لأيام من دون البت في حالته الصحية علامة على هذا الوعي؟

ربما يعجبك أيضا